يقضي اقتراحُ قانون الانتخاب الذي قدّمته كتلة «التنمية والتحرير» باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وتوزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين الطوائف لكل من الفئتين ونسبياً لكل المناطق. كذلك يتمّ اعتماد النظام النسبي في الاقتراع ورفع عدد النواب من 128 الى 134 لإعطاء 6 نواب للاغتراب اللبناني، ويقضي الإقتراح أيضاً بـ«كوتا» نسائية تضمّ انتخاب 20 إمرأة من أصل الـ128.
كذلك، ينصّ الاقتراحُ على خفض سنّ الاقتراع من 21 الى 18 سنة، ويتمّ تشكيل اللوائح بطريقة التناوب المذهبي، أي الطائفتان المسيحية والإسلامية. وتفوز كل لائحة بعدد من المقاعد نسبةً الى عدد الأصوات التي حصلت عليها والتصويت للائحة وليس للفرد، وبذلك ينتفي «الصوتُ التفضيلي» كلياً، ويتم تركيبُ لوائح المرشحين.
وفي إطار جولة وفد كتلة «التنمية والتحرير» على الكتل النيابية الأخرى لعرض الإقتراح عليها، كان إجتماعُ الأسبوع الماضي في مجلس النواب بينه وبين نواب من تكتل «الجمهورية القوية».
خلال هذه الإجتماع عرض وفدُ «التنمية والتحرير» لإقتراحِ القانون وسلّم نوابَ «الجمهورية القوية» نسخةً منه لدرسه. ونظراً لعدم اطّلاع «القوات» المُسبَق على هذا الإقتراح، إلتزم نوابُها الصمت خلال الإجتماع مستمعين، واكتفوا بطرح عدد من الأسئلة الإستفسارية عمّا عُرض عليهم. وكان ردّ «القوات»: «سندرس كتكتل الإقتراح ومن ثمّ نناقشه معكم ونبلغكم قرارَنا بعد شهر».
يفضّل نواب «القوات» عدمَ التزام أيّ موقف قبل إعلان قرار التكتل الرسمي. لكن، من حيث المبدأ، وجسب مصادر «الجمهورية القوية» فإنّ «حزب «القوات» لا يؤيّد طرحَ اعتمادِ لبنان دائرةً انتخابية واحدة، لأنّ هذا الطرح يضرب التنوّع في المكونات اللبنانية ويسمح للديموغرافيا بالتأثير ولطوائف أن تسيطر على طوائف أخرى، وهذا الأمر ضد مبدأ التعايش».
على عكس بري، لا تنطلق «القوات» من أنّ «قانون الانتخاب الحالي الذي اعتُمد في انتخابات 2018 أي الذي يعتمد النظامَ النسبي و«الصوت التفضيلي» ويقسم لبنان الى 15 دائرة انتخابية، هو قانون سيّئ، بل بالعكس تعتبره قانوناً جيّداً، ويُمكن إجراءُ بعض التعديلات التي تطوّره وتحسّن صحة التمثيل».
لكن تكتل «الجمهورية القوية» منفتح على النقاش في أيِّ قانون انتخابي شرط أن «يحسِّنَ صحّة التمثيل وأن يكون المنطلق القانون الحالي، فلا يُمكن بعد هذا القانون العودة إلى الوراء، بل إنّ أيّ تعديل يجب أن يوصل إلى المناصفة الحقيقية، أي أن يمثّل النوابُ طوائفهم». فـ«القوات» تعتبر أنّ «نظامَنا طائفي ولا يُمكن أن ننتقيَ منه حسب الطلب «a la carte» وحين نريد نتحدّث عن الطائفية وحين لا يناسبنا نرميها جانباً ونتحدّث عن الدولة المدنية. فإمّا أن نُنشئَ دولة مدنية، وما زال الوصول إليها مبكراً، إذ إنّ الطائفية لم تُلغَ من النفوس، وإما أن نقرَّ قانوناً انتخابياً مثل القانون الحالي يحترم التنوّعَ الطائفي من دون أن يكرّسَه». وترى أنّ «إعتمادَ لبنان كلّه دائرة انتخابية واحدة هو طرح غير واقعي، ونحن لا نميل إلى الدوائر الكبرى، فحتى الدوائر المعتمدة في القانون الحالي نراها أكبر من اللازم. إذ كلما تكبر الدائرة كلما تضعف صحة التمثيل على المستوى المحلي».
ويقول عضو «الجمهورية القوية» النائب فادي سعد الذي شارك في الإجتماع مع نواب «التنمية والتحرير»: «صحيح أنّ النائب هو نائب الأمة كلها ولكن كيف يمكن محاسبتُه إذا كان نائباً عن البلد كله. وفي البلدان المتطورة ينتخب الناس على أساس أحزاب وبرامج، لكن في لبنان الانتخاب مختلف».
ويقول: «هناك نقاط في إقتراح بري جديرة بالتوقف عندها. فمثلاً، تشكيل لوائح مقفلة هو نقطة متطوّرة بالنسبة إلى النمط السياسي في لبنان، وتتطلب أحزاباً منظَّمة جداً أجرت إنتخابات داخلية مسبقة. كذلك، نقطة التشكيل في المراتب بين الطوائف والمذاهب (مسيحي فمسلم فمسيحي... كذلك على صعيد المذاهب)، وليس من السهل تشكيل لوائح مقفلة ومكتملة على صعيد لبنان كله». ويرى سعد أنّ «هذا الإقتراح يتطلّب بحثاً معمَّقاً». وإذ يشير إلى أنّ «بري ونواب «التنمية والتحرير» يضعون نصبَ أعينهم الدولة المدنية وينطلقون من هذا الطموح»، يعتبر أنّ «الدولة المدنية أمرٌ مهم جداً ولكن صعبٌ تحقيقُها الآن في لبنان».
ويؤكّد أنّ «القوات» تمثّل الشعب في مجلس النواب و«نحن حريصون على «الصيغة اللبنانية الفريدة ولن نسمح لأحد بأن يخرّبَها وستبقى ممارستُنا السياسية منطلقةً من تمسّكنا بهذه الصيغة والعيش المشترك».
فهل سيجمع «خطرُ» إقتراح القانون الجديد والتمسك بالقانون الحالي «القوات» و«التيار الوطني الحر» مجدداً، لمواجهة ما قد يُعتبر أنه يؤثّر على التمثيل المسيحي الصحيح والمناصفة الحقيقية؟
يجيب سعد: «هدفُنا الأسمى هو الدفاع عن لبنان وصيغته، ومن ضمنه الدفاع عن الوجود المسيحي الحرّ الفاعل والمتفاعل مع الشريك المسلم وعن علاقة من الند الى الند بين المواطنين. ونحن نناقش أيَّ اقتراحِ قانون من منطلقٍ وطنيّ ومن مبدأ الحفاظ على هذه الصيغة وعلى الوجود الحر».
وغير خفي على أحد أنّ بري يميل إلى الدوائر الإنتخابية الكبرى وليس الصغرى منذ زمن بعيد، وغايتُه القصوى في هذا الإطار الوصول إلى اعتماد لبنان دائرةً انتخابية واحدة.
لكن البعض يطرح عدداً من الأسئلة حول هذا الإقتراح: كيف ستُشكَّل اللوائح إن شُكّلت لائحة تضمّ «مسلمين أقوياء» يمثلون طوائفهم ومسيحيين لا يحظون بتمثيل شعبي مسيحي كبير؟ وماذا ستكون النتيجة؟ ألن يؤدي هذا الاقتراحُ مجدداً إلى انتخاب النواب المسيحيين بأصوات المسلمين، الأمر الذي حاربه المسيحيون طويلاً؟ وألن يؤدي هذا الإقتراح إلى تغليب إرادة المسلمين على المسيحيين في ضوء التفاوت العددي؟
هذه الأسئلة تعبّر عن هواجس الأطراف المسيحية التي «ما صدّقت» أنها استطاعت أن تحقق إقرار قانون الانتخاب الحالي.
أمّا على صعيدٍ أبعد من الانتخابات وعن البدء بالخروج من عباءة «الطائفية السياسية» وصولاً إلى الدولة المدنية بنحوٍ كامل، فيعتبر البعض أنّ هذا الأمرَ يتطلّب رؤيةً وتخطيطاً وتهيئةً للرأي العام، إذ إنّ إلغاء «الطائفية السياسية» قبل إلغاء الطائفية يعني «إلغاء الطوائف والعودة إلى الحكم العددي والأرجحية الفئوية، المذهبية أكثر من الطائفية».