يستأنف مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد مهمته التفاوضية حول ترسيم الحدود اللبنانية – الفلسطينية ولو بخطى بطيئة ولكن محسوبة بدقة نظر الدقة وحساسية الموضوع، حيث يحاول رسم خريطة طريق لإطلاق المفاوضات، التي بات معروفا انها ستتم برعاية الامم المتحدة وعبر اللجنة الثلاثية التي تجتمع دوريا في الناقورة، لكن هذه المرة بحضور ومساعدة من الجانب الاميركي لتسهيل وتسريع التوصل الى حلول مرضية. لكن لا زالت مهمة ساترفيلد وجولاته المكوكية بين لبنان وفلسطين المحتلة مقتصرة حتى الان على نقل المواقف الاولية والمبدئية للبنان والكيان الاسرائيلي حول عملية الترسيم البري والبحري، وسط معلومات مؤكدة تفيد ان ساترفيلد مهتم بترسيم الحدود البرية اكثر من الحدود البحرية.
وتقول مصادر متابعة لمهمة ساترفيلد ان اهتمامه بالترسيم البري اولا ينطلق من مراعاة مصلحة اسرائيل اكثر من مصلحة لبنان، ذلك ان العدو الاسرائيلي يحاول في عملية بناء الجدار الفاصل في منطقة الحدود الجنوبية، حماية كيانه ومستوطنيه، وفي الوقت ذاته يحاول التوصل الى «صيغة حل» حول النقاط التي يتحفظ عليها لبنان منذ عملية تحديد الخط الازرق، وحول الاشكالية التي نشأت بين الخط الازرق وخط الانسحاب الاسرائيلي عام الفين، والتي تدفع العدو تكرارا الى تجاوز الحدود والشريط الشائك في انتهاك مستدام للقرار 1701، ما يشكل إحراجا للاميركي الذي يضع نفسه بمكان «الوسيط النزيه»، ولذلك يسعى ساترفيلد الى إنهاء هذه الاشكالية عبر اعطاء الاولوية لترسيم الحدود البرية ومعالجة الخلل في تطبيق القرار 1701 بشقه الحدودي لا العسكري، ووضع حد لشكاوى لبنان الى مجلس الامن، ولمنع اي توتر عسكري قد يحدث في لحظة ما أو لدى اي خطأ او اعتداء ترتكبه اسرائيل.
واذا كانت المعلومات تشير الى «ايجابيات» معينة في مهمة ساترفيلد الاولية، وتتلخص في موافقة لبنان والكيان الاسرائيلي على مبدأ التفاوض مع شروط لكل طرف وخلافات حول نقاط انطلاق الترسيم البري الى البحر، فلا زال الموفد الاميركي يسعى للتوصل الى تفاهمات مبدئية حوله قبل الشروع في بحث تفاصيل عملية التفاوض. علما ان لبنان ابلغ ساترفيلد ان الموقف الرسمي موحد ويقضي بترسيم الحدود البرية والبحرية في آن واحد، بينما يفضل كيان العدو البدء بالترسيم البري وقد يضطر للاقرار بحقوق لبنان في بعض نقاط التحفظ البرية ان لم يكن كلها وعددها 13نقطة ومساحتها صغيرة، لينتهي من المشكلات الحدودية البرية التي تقلقه وتقلق مستوطنيه، ثم يتفرغ لمتابعة اجراءاته مرتاحا لاستخراج النفط والغاز من المياه الفلسطينية المتداخلة مع المياه اللبنانية، بعدما انهى معظم البنى التحتية لهذه العملية، التي تأخر عنها لبنان اكثر من خمس سنوات..
وعلى خط مواز، طرحت معلومات عن موقف «حزب الله» من مهمة ساترفيلد ومن عملية ترسيم الحدود ككل، وانه متجاوب مع المهمة وايجابي في التعاطي، وفي هذا المجال، اوضحت مصادر مطلعة عن قرب على موقف الحزب، انه حدد مسلمتين ينطلق منهما، الاولى هي تأكيد وحدة الموقف اللبناني الرسمي والسياسي، بعد معلومات عن تباين رسمي خلال زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى بيروت الشهر الماضي، وتلمّسه موقفين مختلفين بين تفضيل الترسيم البري قبل البحري أو التلازم في الترسيم، فطلب وقتها توحيد الموقف اللبناني، وهو الامر الذي حصل في لقاء رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، حيث تم التوافق على الموقف الموحد المعلن بتلازم مساري الترسيم، وتبلغت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد وقتها من الرئيس ميشال عون ومن وزير الخارجية جبران باسيل ورقة لبنان الكاملة والواضحة بموقف موحد.
المسلمة الثانية التي وضعها «حزب لله» تؤكد ان تكون المفاوضات تحت علم الامم المتحدة وعبر اللجنة الثلاثية العسكرية في الناقورة وبحضور اميركي ليس كطرف. وان تشمل عملية الترسيم البر والبحر معاً من دون الفصل او التلاعب او الركون لما تريده اسرائيل.
اما بخصوص وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، فإن عملية التفاوض على الحدود البرية تركتها معلقة «حتى يقدّر الله امراً كان مفعولا» - كما تقول المصادر - بسبب ارتباط وضعها بمسائل متشابكة سياسية وعسكرية وامنية محلية ودولية، تتعلق بمثلث لبنان وسوريا وفلسطين الحدودي. لكن المقاومة تعتبر ان هذه المزارع والتلال لا زالت محتلة طالما أقر لبنان الرسمي بلبنانيتها، وبالتالي لا زال قرار تحريرها قائماً، سلماً أم حرباً.
ويبدو ان مهمة ساترفيلد لن تكون يسيرة وقصيرة، بل معقدة وطويلة، وستتخللها زيارات وزيارات قبل ان يستقر على موقف او خطة، نظراً لتضارب المصالح والمواقف بين لبنان والكيان الاسرائيلي حول النقاط البرية والبحرية، ومن الصعب ان ينجح ساترفيلد في مهمته إن لم يكن فعلا وسيطاً نزيهاً يراعي الاصول في التفاوض بما يؤمن حقوق لبنان كاملة في ارضه ومياهه، وليس فقط مصالح الكيان الاسرائيلي.