من ناحية، تواجه منتديات الفلسفة، التي تشكلت منذ سنوات وضمت مهتمين بالفلسفة والفكر الفلسفي، ووجدت حواضن لها في الأندية الأدبية، تحديات عدة، منها: ضبابية مفهوم الفلسفة في المجتمع، ونخبوية الطرح، وضرورة ربطها في حياتنا المعاصرة والاستفادة منها، وصعوبة الخروج بها الى الجمهور. لكن تلك التحديات آخذة في التلاشي شيئًا فشيئًا وهذا ما يجعل الإقبال الاجتماعي على المنتديات الفلسفية يتجلى في التداول الفكري، الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل المنتديات الفلسفية تصبح معبرًا عن حراك إيجابي فعال. ومع إقرار تدريس الفلسفة في مناهج التعليم العام، برزت أسئلة منها: هل اكتُشِفَ أنْ لا خطورة من الفلسفة؟ الحلقات الفلسفية هل هيأت المناخ لمثل هذا القرار؟ هل عملت على إنشاء جيل أو مهتمين بالفلسفة؟ ما أبرز التحديات التي واجهتها؟
«الفيصل» تنشر هنا مشاركات لعدد من الكتاب السعوديين حول الفلسفة وأهميتها في المجتمع السعودي:
عبدالله الهميلي: اكتشاف الفلسفة
أبسط المقولات الفلسفية هي التي تقول: إن كل الناس فلاسفة ولديهم القدرة على التفلسف، وهي موجودة في معظم فسيفساء العلوم الطبيعية والاجتماعية.
ما زالت الفلسفة حية وتطورت موضوعاتها على مر التاريخ وحِقَبِه ،هل يمكن الاستغناء عن الفلسفة في هذا العصر؟! بالتأكيد لا. قد يكون هيغل هو آخر فيلسوف شمولي من ناحية اهتمامه بالمطلق لكن طالما هناك سؤال سيكون هناك تفلسف. تنتهي حدود الوجود عند نهاية التساؤل ووجود الإجابات واليقينيات.
مقولة هايدغر في كتابه «نهاية الفلسفة ومهمة التفكير» كانت داخل الاشتغالات الفلسفية،يموت الشيء حينما يتحول إلى دوغما ماتت الأيديولوجيات وبقيت الفلسفة، بالتالي مقولته هذه فلسفية بامتياز ولا نستطيع أن نعترف بمقولة موت الفلسفة ممن هو ليس متفلسفًا كستيفن هوكينغ على سبيل المثال وغيره فهو ليس فيلسوفًا، فلاسفة ما بعد الحداثة يرفضون صفة الفيلسوف ،وأعتقد أن الفيلسوف بالمعنى التقليدي هو الذي يمثله هيغل وغيره.
من خلال تعريف جيل دولوز للفلسفة بوصفها إبداع المفاهيم في كتابه المشترك مع المحلل النفسي فليكس غوتاري «ما هي الفلسفة» أعتقد من يبدع مفاهيميًّا حول الحياة والوجود وقضاياها يستحق لقب فيلسوف ،الفلسفة أصبحت معادلًا للحياة. ومن خلال توصيف هوسرل للفيلسوف بأنه موظف البشرية وهو توصيف حقيقي لمهمة الفيلسوف. فيلسوف العلم الصارم كارل بوبر في كتاب «درس القرن العشرين» وهو كتاب حواري مهم يتحدث عن مآلات الإنسان ومآزقه خصوصًا مع انهيار الأيديولوجيات. نحن الآن في عصر العلم وهذا لا شك فيه لكن من الذي يخلق حوارية مع العلوم والتقنية ويحاول أنسنتها ومساءلتها غير الفيلسوف والمفكر. قد تكون لدينا مشكلة في الفلسفة القارية الترنسندنتالية والفلسفات المهووسة بأحاديث النهايات وبلاغتها،لكن الفلسفات الأخرى من ضمنها الأميركية المعاصرة التي تجاوزت البراغماتية تجاوزت هذه البنية المتعالية للفلسفة لتتوازى مع الحياة.
ما ينوه به الفيلسوف كارل ياسبرز في مخطوطته الأخيرة المعنونة بـ«تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية»، أنه «ينبغي أن يكون تاريخ الفلسفة نفسه فلسفة».
ولن يستوعب القضايا الفلسفية إلا المتفلسف فمعرفة اللغة لا تكفي للفهم حيث مهمة التفكير في تاريخ الفلسفة والقضايا الفلسفية بأن نتجه صوب الأفكار الفلسفية عبر حقبها التاريخية، والاطلاع على تاريخ الفلسفة يعني استيعاب الوعي الشامل واستحضاره.
وهذا الاستيعاب يقتضي التحرر من كل وجهات النظر المسبقة والأنساق، والمعيار في ذلك هو الواقع ومعطياته ومقدار صمود الأفكار الفلسفية أمامه. ويختم ياسبرز بأن المتتبع لتاريخ الفلسفة قد يجد أسماء مضيئة في ذلك التاريخ بإمكانه أن يتعالق معها ومع أفكارها ضمن المقاربة التي يريد أن يتبناها. تنمو حقول داخل الفلسفة وتضمر حقول أخرى، ولا يوجد شيء غير قابل للتفلسف.
من ناحية، يأتي القرار التاريخي بتدريس الفلسفة في السعودية في مناهج الدراسة الثانوية دليلًا على أهمية وصيرورة الفلسفة في المجتمعات المتطورة، بما فيها دول الخليج وعلى وجه الخصوص وطننا الحبيب. ولقد كانت الحلقة الفلسفية التي تأسست في نادي الرياض الأدبي سنة 2008م أولى المخاضات والطموحات التي شكلت فارقًا معرفيًّا ونقديًّا في المملكة؛ إذ إن معظم الاهتمامات كانت منصبّة على الشأن الثقافي العام والأدبي التي استمرت حتى تاريخنا هذا. وتأسيس «الحلقة المعرفية» في المنطقة الشرقية سنة 2017م و«إيوان الفلسفة» في نادي جدة الأدبي سنة 2018م، يأتي كحلقة متصلة من صيرورة الفكر والفلسفة، ومدى حاجة المجتمع وخصوصًا الشباب المتعطش للجديد والفكر النقدي.
شاعر وباحث في الفلسفة.
حاتم مكرمي: الفلاسفة خصوم أساسيون لرعاة الانغلاق
لطالما كانت ولا تزال الفلسفة هي صداع نصفي يصيب الركود الفكري عبر العصور؛ لذلك نرى الفلاسفة دائمًا ما يكونون خصومًا أساسيين لكل من يرعى الجمود والانغلاق الفكري ليُحكَم على سقراط بالموت بالسم ، وينفى سينيكا إلى جزيرة نائية قبل أن يُعدم من الجيش، ويُغْرَق هيباثوثوس في البحر من جماعة الإخوان الفيثاغورسيين، وتُسحَل هيباتيا في شوارع الإسكندرية قبل أن تُقتل دهسًا بالإقدام. الجرائم ضد الفلسفة هي وليدة جمود وانغلاق فكري، وهذا ما لا ينطبق على المجتمع السعودي على الأقل في الوقت الحالي، الذي يشهد انفتاحًا فكريًّا وتَقبُّلًا للآخر وازدهارًا اقتصاديًّا؛ يجعل من البيئة السعودية ملاذًا آمنًا لصناعة الأفكار الجديدة وممارستها، وهذا بالضبط ما تُعنى به الفلسفة التي يجب أن تتعلمها الأجيال التالية بشغف، فلا حضارة استثنائية إلا بفلسفة استثنائية.
نعم الفلسفة لا خطورة منها بل الخطورة في عدم ممارستها، فمن دون فلسفة عميقة لا يمكن اكتشاف أخطاء مجتمعية وعلاجها. هناك ما يمنع تنقية الهوية من شوائب الممارسات والأفكار السلبية التي تنشأ بفعل الركود الفكري أحيانًا والانفتاح الثقافي حينًا آخر، ثم تتغلغل بحثًا عن حواضن فكرية تنمو منها ممارسات سلبية تتشكل مع الزمن لتُصبِح مُسلَّمات يصعب التخلص منها أو التعاطي معها، وهذا بالضبط ما نريد أن ننبه أبناءنا إليه، وأن يتعلموا كيف ينقذون أنفسهم ويصححون أخطاءهم، ومن ثم ينطلقون لبناء أخلاق نقية تُسهِم في بناء المجتمع المثالي، الذي لطالما حلمت به البشرية عبر العصور لتضمن بقاءها وازدهارها للأبد.
صناعة الفكر والثقافة صناعة ثقيلة جدًّا وطويلة المدى وتحتاج إلى خطة وعمل، يبدأ من رأس الهرم الوطني نزولًا إلى أصغر لَبنات المجتمع السعودي، وهذا الوضع أيضًا ينطبق على ممارسي الفلسفة وروادها بمختلف أنواعها، لتكون أول التحديات وأكبرها هو طبيعة الفكر ومخرجاته الطويلة المدى، وهذا ما يجعل جمهور الفلسفة قليلًا جدًّا عبر الأزمان. ولكن هذا لا يخفي الإقبال الشديد الذي شهدته المنتديات الفكرية في مختلف مناطق المملكة بالرعاية الكريمة التي حظي بها المثقف السعودي، وسيحظى بأكثر من ذلك في السنوات القليلة المقبلة لتقل التحديات التي كانت تشكل عوائق، منها الدعم المالي والتركيز الإعلامي على أبرز مخرجات العمل الفلسفي، ولا سيما التخوف المجتمعي المتوهم من خطورة الفلسفة والموروث الذي صور أن الفلسفة هي حراك فكري خطير يهدد الثوابت بمختلف أنواعها، وهذا ما يشكل أبرز التحديات التي أخذت بالتلاشي شيئًا فشيئًا وهو ما يجعلني أتوقع إقبالًا مجتمعيًّا على المنتديات الفلسفية يتجلى في التداول الفكري الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي بكل أريحية وموضوعية، والآن تشهد المنتديات الفلسفية حراكًا قويًّا لم يشهده المسرح الفكري السعودي قبل ذلك.
باحث مشارك في الحلقة الفلسفية.
زينب الخضيري: توسيع نطاق التفكير
إقرار تدريس الفلسفة، ربما هو تصحيح لمفهوم كان محظورًا سابقًا، والحياة لا تستقيم على وتيرة واحدة، والتغيرات التي حظيت بها السعودية مؤخرًا جعلت إعادة النظر في كل شيء ضرورة حتى نواكب التطورات العالمية من حولنا. سعدت كثيرًا بهذا الفتح في مدارسنا؛ لأن تدريس الفلسفة هو إقرار بأهمية توسيع نطاق التفكير والبحث والتحليل في كل ما حولنا، فالفلسفة هي طريقة للتفكير المعمق. وكوني من عشاق الفلسفة ومن المهتمين بالقراءات الفلسفية، قرأت في إحدى الصحف السعودية خبرًا عن تدريب المعلِّمين من أجل تدريس الفلسفة، ولكنه استوقفني كثيرًا؛ إذ إن مشكلتنا الدائمة أننا لا ندرس الأفكار والبرامج بشكل جيد. وتخلو الجامعات من التخصصات الفلسفية، التي نحن نحتاجها لتوسيع المدارك والتفكير النقدي، فالعقل المنساق ضمن آليات نظر محدد ينتج فعله في حدود ذلك النظر ولا يستطيع تجاوزها، إلا داخل إرادة وعي تستوعب الثبات وتؤسس للانطلاق.
وتدريس الفلسفة له جذور فقد نادى بها الأميركي ماثيو ليبمان، وشجع على تدريسها منذ الطفولة، ففي سبعينيات هذا القرن وجد ماثيو ضعفًا في التفكير النقدي والمنطق لدى طلبة الجامعة. واقترح أن أفضل ما يمكن أن يقدم للطلبة هو التبكير بالتدريب على هذه المهارات منذ الطفولة. فالإنسان اجتماعي بطبعه وهو كائن مؤثر ويتأثر بواقعه، لذلك يكون الاهتمام بالعقل شيئًا من العمل الشائك نظرًا لحالة التصلب الحضاري الذي نعيشه؛ لماذا لا نشتغل على العقل الذي هيمنَ عليه العقل الغربيُّ؟ لماذا لا نستفيد بدل أن نستسلم؟ لماذا لا ننتج بدلًا من أن نكون متلقين؟ ففي لحظة التفتيش عن العقل العربي نواجه تحدي هيمنة العقل العالمي علينا، فلا نحن صنعنا لنا هوية لنقف بوجه هذا الطوفان ونتفاهم معه بذات حرة مستقلة، ولا نحن انسقنا وتماهينا بسلاسة مع العقل العالمي، نظل واقفين في وسط حلق هذا العالم. إذن ما الذي نستطيع فعله تجاه تدريس الفلسفة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، وكيف ستُدرَّس الفلسفة، ومن سيُدرِّسها؟ هذه الأسئلة الثلاثة الإجابة عنها كفيلة بأن نراهن على نجاحها في مدارسنا. كذلك قرأت في كتاب «تفكر، مدخل أخاذ إلى الفلسفة» للكاتب سايمن بلاكبرن، أن الفيلسوف الفرنسي ديكارت عزل نفسه في حجرة، واختبر رؤية أعقبتها أحلام، بينت له فيما حسب مهمته في الحياة: الكشف عن السبل الوحيدة الصحيحة للعثور على المعرفة، يستدعي الطريق الصحيح تقويض كل ما سبق أن سلّم به، والبدء من الأسس.
أما المجموعات الفلسفية في السعودية، فهي جديدة وأقدمها الحلقة الفلسفية تحت مظلة النادي الأدبي في الرياض، وهي بدأت قبل أكثر من ثماني سنوات، وفي هذه السنة أصبحت هناك حلقة فلسفية في المدينة المنورة، وجدة، وهذا الانتشار والتطور في توسع الحلقات الفلسفية، وإدخال الفلسفة في التعليم، سيجعل هناك تحولًا وتطورًا مع الزمن. والفلسفة تثير التساؤلات والآراء حول كيفية اكتسابنا للمعرفة وتوليد الأفكار وإمكانية التقاء المعرفة والأفكار مع زمن المستقبل في نقطة حاسمة هي الآن. الفلسفة لن أقول: إنها طوق نجاة لنا، ولكنها ستنير طريقنا وتساعدنا في مواجهة العالم. فالحقائق المتغيرة تجبرنا على النزول للواقع، وتكثيف حضور الواقع والعيش بداخله وتحليله ربما ينقذنا من أفكارنا التاريخية، وهو عدم حصر أنفسنا في فكرة واحدة، وعدم الاستسلام لكل شيء. تأتي الحلقات الفلسفية لنشر الوعي ولإيجاد طرق تفكير جديدة تجعلنا مختلفين. وهذا بالطبع يجعل هناك الكثير من التحديات التي تواجه هذه المجموعات الفلسفية؛ أهمها: ضبابية مفهوم الفلسفة في المجتمع، ونخبوية الطرح، وضرورة ربطها في حياتنا المعاصرة والاستفادة منها.
أكاديمية وروائية.
سارة رشيدان: نقلة مهمة في تطوير التعليم
على الرغم من تعالي الأصوات المطالبة بتدريس الفلسفة والتفكير الناقد من مثقفي البلد الواعين بأهميتها؛ فإن هذا القرار عندما صدر من وزارة التعليم كان مفاجأة جميلة جدًّا؛ بل ربما هو برأيي أهم نقلة حدثت في تطوير مناهج التعليم بالمملكة في العقود الأخيرة، وبخاصة مناهج المرحلة الثانوية. جرأة تدريس الفلسفة باسمها مباشرة بعد محاولات سابقة لتقديم التفكير الناقد تكشف أن القائمين على وضع سياسات التعليم أدركوا الضرر المترتب على غياب هذه المادة عن مناهجنا منذ بدء التعليم؛ مع العلم أن الفلسفة وجدت بشكل محدود في بعض أنواع التعليم الجامعي، أو ما فوق جامعي؛ حضرت في فلسفة التربية، وربما حضرت كمخالف يجب الرد عليه في تخصصات جامعية أخرى؛ لكنها غابت تمامًا عما قبله حتى صدور هذا القرار. تدريس الفلسفة اليوم حدث بعد أن اكتشف أنها ضرورة يحتاجها المتعلم أو المتعلمة لوعي قضايا الفكر العامة والخاصة بهما، ستصنع الفلسفة مُحاوِرًا متمكنًا يجيد عرض أفكاره، والتفاعل السويّ مع أفكار الآخرين من دون شعور بالعجز عن محاورة المختلف عنه صديقًا أو عدوًّا، معلمًا أو متعلمًا. سيقودنا هذا إلى التخلص من ثقافة التلقين الهشة والدخول إلى عالم الحوار الرحب.
في السنوات الست الأخيرة كنت قريبة جدًّا مما يطرح في حلقة الرياض الفلسفية (حرف) وهي بلا شك نواة الفلسفة في بلدنا، الحلقة أنشأها قراء باحثون في الفلسفة، واستمرت بنادي الرياض الأدبي حتى اليوم في تقديم طروحاتها الفلسفية والفكرية، وقبل سنتين منها انطلق إيوان الفلسفة في نادي جدة الأدبي، وكان ولا يزال الحوار الفلسفي متصلًا بين المدينتين وبرعاية عقول شابة آمنت بالفلسفة.
قبل أيام قرأت عن حلقة فلسفية جديدة تنشأ شمال المملكة، والحقيقة أن هذا الجهد اللافت أعطى صورة عظيمة عن قدرة ووعي شبابنا انتقلت إلى العالم، الذي يستغرب وجود الفلسفة بهذا العمق في إطار ثقافة طال تجريمها لها. التحديات التي واجهت الشباب في طرحهم الفلسفي كثيرة، سواء ما تعرضوا له من هجوم مخالفيهم، أو تُهَم وُجِّهت لهم؛ لكن اللافت أنهم تجاوزوها ولا يزالون يذللون بحماسهم الصعاب في استقطاب الحضور المهتم، والمحاضر الجيد. أيضًا الفلسفة تُقَدَّم للجنسين، وتُقدَّم لمختلف الأعمار ودرجات الثقافة، فأحدثت تواصلًا للوعي الجمعي المثقف المتابع لها أو لبعض طروحاتها، وبخاصة فلسفة الأخلاق كمثال. أظن التحدي الذي يواجه الفلسفة اليوم هو قلة عدد المشتغلين بها، مع رغبة عارمة في تعلُّمها وتقديمها. والتحدي الأهم أننا يجب أن نفتح أقسامًا في الجامعات لتصبح الفلسفة علمًا قائمًا بذاته، يدعم اجتهادات الشباب أبطال الفلسفة.
عضو الحلقة الفلسفية.
شتيوي الغيثي: الخطورة بدأت في التلاشي
مؤخرًا أعلنت وزارة التعليم السعودية إدراج مادة الفلسفة والتفكير الناقد في مناهج التعليم العام، وهذا الإدراج جاء بعد سنوات طويلة جدًّا من غياب الفلسفة في السعودية بشكل رسمي؛ لأن الفلسفة كانت موجودةً في كتابات عدد من الشباب أو المثقفين أو الأدباء، إضافة إلى وجودها كمنتديات فكرية أو فلسفية في الرياض وغيرها. جاء الاعتراف الرسمي متأخرًا قليلًا عن مواكبة التطورات الفكرية في المجتمع، لكنه في الأخير حضر كمنهج معترَف به يُدرَّس للطلاب، ولعل اكتشاف أهمية الفلسفة ليس جديدًا غير أن المحظورات كانت كبيرة في وقتها وما زالت عند العديد من الناس، وبما أن الاعتراف أخذ طابعًا رسميًّا فإن الخطورة بدأت بالتلاشي على الأقل على المستوى الرسمي، أما على المستوى الشعبي فيحتاج ذلك إلى إحصائيات لمعرفة مدى تقبل الناس لها.
في تصوري أن الكثير من الكتابات والآراء النقدية؛ بل حتى التفكير الديني، كانت الفلسفة حاضرة فيه، باعتبار أن أكثر النظريات النقدية والاجتماعية وأسس الخطابات الفكرية في المجتمع السعودي تقوم على أرضية فكرية، ولذلك فإن حضورها كان حضورًا فكريًّا أكثر من كونها حضورًا رسميًّا يدرس، ولعل هذا الجانب هو الذي جعل التعليم جاهزًا لإدراج منهج الفلسفة والتفكير الناقد في المدارس.
الخطورة لم تكن في الفلسفة أو الفكر وإنما تكمن الخطورة في حالة (تخطيرها) -إذا صحت الكلمة– أي من حالة تخويف الناس منها أو الاستهانة بها، وإلا فإن غالبية العلوم الحديثة تقوم على أطر فكرية حتى تلك التي تقع في مجال العلوم التطبيقية، وإن كانت مستقلة حاليًّا عن المجال الفلسفي لكنها كانت مرتبطة بها في جانب من جوانبها، وبخاصة في الدراسات النقدية الحديثة أو الدراسات الاجتماعية.
في السعودية حضرت الفلسفة في الكتابات الصحافية، وحضرت في الدراسات النقدية، وحضرت عند بعض الأدباء لكن أكثر ما حضرت، من خلالها، هي المنتديات أو اللقاءات الثقافية، ولعل أول منتدى فلسفي في السعودية كان حلقة الرياض الفلسفية. وكذلك الحال في جدة في «رواق الفلسفة»، كما أُسِّس منتدى فكري في القصيم لكنه توقف أو أُوقِفَ لأسباب ليس هنا مجالها، ثم أُسِّس «مسار فلسفي» من ضمن أنشطة نادي حائل الأدبي، أما آخر ما أُسِّسَ فهو «منتدى الفكر» في نادي المدينة الأدبي الذي بدأ نشاطه منذ أشهر قليلة.
لكن هل جرى إنتاج جيل جديد من الشباب المهتمين بالفلسفة أو الفكر؟ ربما تكون الإجابة عن مثل هذا السؤال واسعة أو ضيقة في الحالتين، والأمر خاضع هنا إلى طبيعة المنتدى وعمره، فحلقة الرياض الفلسفية تتوسع في أنشطتها، ونرى أسماء جديدة تخرج بين حين وآخر، في حين نجد في منتديات أخرى مقصورة حتى الآن على بعض الشخصيات التي كان لها نشاط سابق في الفلسفة، بحكم قصر عمر المنتدى. والأمور في حقيقتها لا تزال في بداياتها بالمقارنة مع علوم أخرى لها سنوات طويلة في الوجود الرسمي، ولعل منهج الفلسفة والتفكير الناقد يكون البذرة الأولى في تقبل بعض الناشئة لأفكار فلسفية ونقدية جديدة، إضافة إلى ما يمكن أن تؤسسه المنتديات التي أُنشِئت، من حراك فكري وفلسفي مقبل وإن كان صغيرًا ما لم تُوقَفْ هذه المنتديات لأي سبب كان.
في الأخير يبقى التفكير الفلسفي تفكيرًا يميل إلى النخبة من الناس، أو بالأصح يحظى باهتمام فئة قليلة جدًّا من الشباب المثقف، ولذلك فإن الحديث عن (أجيال) تستلزم اتساع أفق الفكر الفلسفي وفتح أطر الحرية الفكرية وعدم الحجر عليها في التفكير العام وهذا ما زال في بداياته، ويمكن أن نقول: إن مثل هذه التساؤلات سابقة لأوانها بحكم قصر مدة حضور تلك المنتديات. وباستثناء حلقة الرياض الفلسفية فإن عمر غالبية المنتديات أو اللقاءات الفلسفية لا يتجاوز سنة واحدة أو سنتين على الأكثر من التأسيس، كما أن منهج الفلسفة والتفكير الناقد يحتاج إلى وقت لِيُستوعَبَ في المدارس أو يُهتَمّ به بشكل جدي حتى يؤتي أكله، فالغالب أن الذين سوف يدرسونه لم يكن لهم اهتمام كبير بالتفكير الفلسفي ولا يوجد متخصصون في الفلسفة في التعليم يمكن أن يدرسوا هذا المنهج. ولذلك فإن التساؤل حول أهمية ثمارها أو وجود مجايلة تاريخية للتفكير الفلسفي في السعودية سابق لأوانه؛ لأن مثل هذا التساؤل يحتاج إلى سنوات طويلة من العمل والرصد.
كاتب وأحد المشرفين على منتدى فكر في نادي المدينة المنورة الأدبي
المصدر: كوة