من المبكر الآن التفكير في مصير حزب الله “اللبناني” ذي الهوية الإيرانية، فيما لا تزال إيران تلوّح بإمكانية عقد اتفاق نووي مضلل جديد مع الولايات المتحدة يتيح لها بعد الانتهاء من مسألة برنامجها النووي أن تبقى مهيمنة على المنطقة لأمد غير معلوم.
إيران لم تفقد الأمل بعد، وهو كما أرى أمل المفلسين.
إيران التي كانت تراهن على الوقت صارت اليوم تشعر بأن الوقت يمضي ضدها. فالعقوبات الأميركية قاسية إلى درجة تكاد معها إيران أن تفقد رشدها وترتكب الخطأ الذي تنتظره الولايات المتحدة.
كانت هناك فرصة لطوق نجاة أوروبي تبيّن أنه محض وهم. وليس هناك من دافع يدعو الولايات المتحدة إلى أن ترخي حبل عقوباتها. تبدو الطرق كلها مسدودة في خضم صراع اقتصادي أميركي- صيني ليس لإيران مكان فيه. وإذا ما كانت روسيا ليست بعيدة عن إيران وهي كما تُظهر متعاطفة معها، فإنها لن تكون نافعة في المجال المصرفي. يعرف الروس أن تعاطفهم مع إيران لا يزيد عن كونه مجرد خطوة كيدية. ستكون إيران وحيدة في وقت قريب، إذا لم تكن كذلك الآن.
لذلك فإن حزب الله الذي لا يمكن أن يمول نفسه ذاتيا هو عبء على إيران، بل هو أثقل أعبائها. فإيران من خلاله تموّل دولة داخل دولة. وتلك هي حقيقة وجوده في إطار الدولة اللبنانية.
لقد خططت إيران أن تكون طريقها من طهران إلى بيروت سالكة عبر العراق وسوريا. توهّم الكثيرون أن ذلك المخطط كان يتم برعاية روسية. على الأقل كان هناك صمت روسي. غير أن إيران نفسها ستكون عاجزة عن الإبقاء على ذلك الخط سالكا في ظل رقابة أميركية، لا تمانع روسيا من وجودها، أو أنها لا تملك القدرة على الحد منها.
أما إذا امتنعت إيران عن دفع رواتب مقاتلي حزب الله بما فيهم زعيمه حسن نصرالله، فعلينا أن نتوقع أن تلك الميليشيا ستلجأ إلى واحد من خيارين. إما أن تحل نفسها بطريقة صادمة بدءا بالاستغناء التدريجي عن مقاتليها ليكتفي الحزب بوجوده السياسي، أو أنها ستلجأ إلى الاستيلاء على الاقتصاد اللبناني، بما ينذر بنهاية لبنان.
هناك حل ثالث غير أنه لن يكون مناسبا لما ينطوي عليه من مغامرة قد تؤدي إلى اقتلاع حزب الله من جذوره. ذلك الحل- المغامرة يمكن تلخيصه بشن حرب جديدة على إسرائيل. ستكون حربا خاسرة ومدمرة للبنان، غير أنها ستكون مناسبة مقنعة لنهاية حزب الله.
“لقد أدينا واجبنا العقائدي” سيقول نصرالله إذا ما كُتبت له النجاة. فهل سينتحر حزب الله بلبنان؟
ذلك السؤال يمكن صياغته بطريقة أخرى هي “هل سيسمح المجتمع الدولي وهو المسؤول عن وصول حزب الله إلى نقطة اليأس المطلق بحدوث ذلك؟”.
لا أعتقد أن ما يفكر فيه حزب الله يقع خارج تقديرات الولايات المتحدة وهي التي وضعت ضمن مخططها لردع إيران أن تضع نهاية لأذرع إيران الممتدة في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله. إذا لم تفكر في مصير لبنان فإنها بالتأكيد قد فكرت في ما يمكن أن يلحق بإسرائيل من أضرار، من منطلق الحرص على ألّا تساهم الدولة العبرية في الحرب ضد إيران.
حزب الله من جهته لن يستخف بالرؤية الأميركية وهو ما دفعه إلى اللجوء إلى الصمت في انتظار تطورات الموقف. فهو يجهل مثلما تجهل القيادة الإيرانية ما الذي يفكر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أهي الحرب أم أن هناك هامشا للسلام، من شأنه أن يبقي على المحميات الإيرانية؟
تكمن ضحالة وسطحية ذلك السؤال في أنه لا يضع المشكلة في حجمها الحقيقي، ولا يرى في الأزمة التي تعيشها المنطقة إلا صراع مصالح، فإن ضمنت الولايات المتحدة سلامة مصالحها في المنطقة فإنها ستترك إيران تفعل ما تشاء. وذلك الفهم بني على تقديرات خاطئة.
وصلت الولايات المتحدة من خلال رئيسها إلى قناعة مفادها أن المحميات الإيرانية، وفي مقدمتها محمية حزب الله، صارت تشكل خطرا على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة وهو ما يشكل خطرا على مصالحها. تلك قناعة تجعلنا على يقين من أن حزب الله سيزول. أقامت الحرب أم لم تقم.