بعد مناقشات مطولة، وافقت الحكومة اللبنانية أول من أمس على مسودة ميزانية 2019 التي ستخفض العجز إلى 7.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من 11.5 في المائة في 2018. وإحدى وسائل خفض العجز المخطط لها هي الاعتماد على القطاع المصرفي في تمويل الدين اللبناني، وهو اتجاه ناجع من حيث تدبير الموارد المالية لكن بعض المراقبين يحذرون من أن التوسع فيه قد يفرض ضغوطا على القطاع المصرفي.
وتخطط الحكومة لخفض نحو 660 مليون دولار من فاتورة خدمة الدين من خلال إصدار سندات خزينة بعائد قدره 1 في المائة إلى القطاع المصرفي اللبناني، بحسب رويترز.
ونبهت وكالة التصنيف الدوليّة موديز إلى أن المشاركة «ستضغط على ربحيّة المصارف من دون معالجة المشاكل السياديّة».
ورصدت الوكالة التأثير الممكِن لإصدار سندات الخزينة اللبنانيّة بقيمة 11 تريليون ليرة، أي ما يوازي 7.3 مليار دولار بفائدة سنويّة تبلغ 1 في المائة على الدين العامّ والقطاع المصرفي اللبناني. واستخلصت «إنّ الفائدة المنخفضة المربوطة بتلك السندات ستخفِّض كلفة خدمة الدين في لبنان بنحو تريليون ليرة، أي 663 مليون دولار في السنة، ما يشكِّل نحو 1 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد. ولكن من دون تغيير المنحى الذي يتبعه الدين العامّ الإجمالي».
وصنفت الوكالة «هذا الإصدار كحدثٍ ائتماني سلبي للمصارف التي ستكتَتِب فيه إذ أنّه سيزيد من حدّة الضغوط على ربحيّتها إضافة إلى ما تواجهه حاليّاً من تحدّياتٍ اقتصاديّة، وارتفاعٍ في كلفة الودائع، وزياداتٍ ضريبيّة حديثة». وأشارت خصوصا «إلى ارتفاع متوسّط الكلفة على الودائع المحررة بالليرة اللبنانيّة إلى 8.75 في المائة مع نهاية شهر مارس (آذار) 2019. مقارنة بنسبة 6.64 في المائة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. مما انعكس سلباً على صافي هوامش الفائدة في القطاع المصرفي».
وورد في التقييم أنّه «ورغم العوائد العالية التي بات يقدّمها البنك المركزي على توظيفات المصارف لديه، فقد انكمش كلٌّ من العائد على متوسّط الموجودات والعائد على متوسّط الأموال الخاصّة لمصارف مجموعة ألفا (ALPHA) من 1.05 في المائة و11.26 في المائة على التوالي خلال العام 2017. إلى 0.91 في المائة و10.31 في المائة في العام 2018»، متوقّعة أن «ينخفض العائد على متوسّط الأموال الخاصّة للمجموعة التي تضم أكبر 15 مصرفا عاملا في لبنان بنقطة مئويّة إضافيّة في حال استثمرت تلك المصارف في نصف قيمة الإصدار المعني».
في المقابِل، رأت «موديز» أن هكذا إصدار سيمثل دعماً إضافيّاً لتلبية الحاجات التمويليّة للدولة. وإذا ما اقترن بتبنّي الإصلاحات الأساسيّة، سيساهم في تحرير أموال «سيدر». والبالغة قيمتها 11.4 مليار دولار.
بينما يمكن لمساهَمة المصارف في هذا الإصدار أن تُجَنِّب مصرف لبنان المركزي من اكتتابه في كامل السندات، ما قد يؤدّي إلى زيادة التضخّم وكلفة الاقتراض المحلّي.
وكانت المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمها البنك الدولي تترقب الأيام الماضية ما سيقرره «الماراثون» الحكومي بشأن مشروع قانون الموازنة، لاستنتاج خلاصات محددة ينتظرها المجتمع الدولي الذي أقر قبل أكثر من عام تقديم مساعدات وقروض ميسرة للمساهمة في معالجة أزمات الاقتصاد اللبناني. على أن تنفذ الدولة اللبنانية برنامج إصلاحات مالية وإدارية تقدم بها إلى مؤتمر باريس في أبريل (نيسان) من العام الماضي.
وبعد انتهاء الحكومة من الموازنة سيمر مشروع القانون على لجنة المال النيابية واللجان العامة قبل وصوله إلى محطته الفاصلة في الهيئة العامة لمجلس النواب.
والهدف الأساسي للموازنة خفض نسبة العجز من نحو 11.5 في المائة من الناتج المحلي التي بلغتها نهاية العام الماضي، إلى 7.5 في المائة. ثم اتباع مسارات مالية محددة للوصول إلى 5 في المائة خلال 5 سنوات وفقا لما التزمه لبنان في مؤتمر سيدر في ربيع العام 2017.
وتفرض هذه المعادلة تلقائيا تحقيق وفر أو إيراد إضافي بمبالغ قد تصل إلى نحو ملياري دولار من خلال خفض الإنفاق وتحسين الواردات. فالعجز تجاوز 6.5 مليار دولار العام الماضي حسب التقدير عبر عملية حسابية للنتائج المالية المعلنة حتى نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أي لفترة 11 شهرا. ومن المرجح أن يتجاوز هذا السقف، ولا سيما في ظل ارتفاع صاروخي في تعويضات نهاية الخدمة، والتي سجلت زيادات بنسبة 128.57 في المائة، لتصل إلى 688 مليار ليرة (456 مليون دولار). وهي زيادات مرشحة للتفاقم في نهاية السنة المالية.
والقطاع العام المتضخم في لبنان هو أكبر بنود الإنفاق الحكومي، يليه خدمة دين عام يعادل نحو 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو أحد أكبر أعباء الدين العام في العالم.
ومن بين إجراءات كبح فاتورة أجور القطاع العام، تجميد لمدة ثلاث سنوات لجميع أنواع التوظيف الحكومي وقيود على العلاوات، وفق مشروع الموازنة الذي أقرته الحكومة أول من أمس.
وستفرض أيضا ضريبة على معاشات المتقاعدين من القطاع العام. لكن خفضا مؤقتا للرواتب في القطاع العام، اقترحه البعض داخل الحكومة في مرحلة مبكرة من العملية، لم يتم إدراجه.
وتنبع شريحة كبيرة من خفض العجز من زيادات في الضرائب بما في ذلك ضريبة استيراد بنسبة 2 في المائة وزيادة الضريبة على مدفوعات الفوائد المصرفية.
وموافقة مجلس الوزراء النهائية على مشروع الموازنة عرقلها نزاع بشأن هل يجب عمل المزيد لخفض العجز.
لكن وزير المالية علي حسن خليل قال لوسائل إعلام محلية «تمت الموافقة على كل البنود والأرقام». وأضاف أنه لا أحد أثار أي اعتراضات عندما قال رئيس الوزراء سعد الحريري «انتهينا من الموازنة» في ختام جلسة مجلس الوزراء.