الحملة العسكرية الأميركية التي تهدف إلى حماية دول المنطقة من أية خطوة إيرانية طائشة لن تتوقف إلا إذا وقعت معجزة. تلك معجزة تنقذ إيران وحدها، فيما تبقى المنطقة تعاني من الداء الإيراني إلى أمد غير معلوم. ذلك إجراء ظالم لا أعتقد أن المجتمع الدولي قادر على تحمل تبعاته.
لقد أحدثت إيران خللا جوهريا في البنية السياسية وفي النظام الأمني وفي العلاقات الدبلوماسية بين دولة وأخرى من خلال سعيها لإقامة إيران الكبرى، مستعينة بالميليشيات التابعة لها والتي صارت تقدم الولاء العقائدي على الولاء الوطني، بحيث صار من الصعب التعامل مع الدول التي تخضع لنفوذ تلك الميليشيات من غير المرور بإيران.
ولأن الداء الإيراني مؤهل للانتشار فقد صار التصدي له ضروريا وملحا، ويجب أن تجند له كل الإمكانيات. وهو ما يتطلب إسنادا من دول المنطقة للحملة العسكرية الأميركية من أجل ألا تقف عند حدود استعراض القوى أو التهديد بالردع. المطلوب أن تنجز تلك الحملة هدفها الرئيس وهو إجبار إيران على إنهاء تدخلاتها في المنطقة والالتفات إلى حالها.
لقد انتظر الكثيرون هذه اللحظة. وهنا لا أقصد الرافضين للهيمنة الإيرانية وحدهم، بل المهللين لها أيضا. وليس من باب المجاز القول إن إيران كانت قد صنعت عبر العقود الثلاثة الماضية بيئة ثقافية جاهزة للتفاعل حماسيا مع حرب ضد الولايات المتحدة وهي الشيطان الأكبر، تكون إيران بصفتها زعيمة العالم الشيعي طرفها الثاني.
إن شعار “الموت لأميركا” الذي رفعته إيران منذ أربعين سنة لن يتحقق إلا إذا سحقت إيران الشيطان الأكبر. ذلك عنوان لثقافة حرب نشرتها إيران من خلال عملائها الذين هم دعاتها وتابعيها، الذين هم خدمها الذين أوهموا الناس البسطاء أن إيران قوة مخيفة لا يشق لها غبار وأنها تمتلك من أدوات الردع ما يجعل سادة البيت الأبيض يرتجفون في مضاجعهم.
الحرب التي أوهم النظام الإيراني مريديه أنها لحظته المناسبة التي سيتمكن من خلالها إعادة صنع التاريخ بما يمهد الطريق لظهور المهدي لم تعد مجرد إعلان ديني، بل هي اليوم واقع يمكن أن يتحقق في أية لحظة. وهو ما يلزم أولئك المريدين بالتهليل لقرب ساعة الخلاص. فلمَ كل هذا الوجوم؟
يفصح الارتباك السائد بين صفوف الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة عن خشيتها من أن تكون الطعم الذي يقدمه الإيرانيون للأميركان من أجل أن يكسبوا شيئا من الوقت، وهو ما يعني أن تلك الميليشيات سيتم طحنها قبل أن تبدأ الحرب وبذلك تكون الضحية التي لن يهتم بمصيرها أحد.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن إيران التي صارت تتحدث عن إمكانية عدم وقوع حرب تبدو راضخة للعقوبات الأميركية التي لن تجد مخرجا منها إلا عن طريق الإذعان للشروط الأميركية من خلال الاستسلام لمفاوضات، ستكون بديلا عن الحرب. ذلك لأن تلك المفاوضات ستنجز ما يمكن أن تنجزه الحرب من غير أن يلحق الخراب بإيران.
من كل هذا يتضح أن إيران كانت تجند عملاءها في إطار دعاية كاذبة. فالحرب على الشيطان الأكبر لم يكن الهدف منها سوى تمهيد الطريق أمام إيران للاستيلاء على المنطقة. كانت إيران تكذب على عملائها وهي اليوم تريد أن تقدمهم حطبا لحرب قصيرة، قد تنقذها من حرب، هي على يقين من أنها ستدمرها.
لذلك فإن إيران قد تتراجع في اللحظات الأخيرة، أي حين تتأكد من أن الحملة العسكرية الأميركية ماضية إلى هدفها. سيحرج ذلك التراجع ميليشياتها التي كانت قد هيأت نفسها مخدوعة لحرب الخلاص. الحرب التي سيظهر بعدها الهلال الشيعي إلى الوجود.
لا أعتقد أنه سيكون ممكنا، بعد تراجع إيران، لأتباعها أن يعيدوا تنظيم صفوفهم على أساس أهداف جديدة. سيكون عليهم أن يستسلموا صامتين لهزيمتهم، أو أن يختاروا الموت في حرب انتحارية، ستكون بمثابة انتقام لأنفسهم التي كانت ضحية للتضليل.