ما يدفع المسؤول الكبير هو التحذيرات المتتالية التي بدأت تصل منذ مدة الى لبنان، ونقل بعضها شخصيات أوروبية بصفات أمنية واستخبارية وديبلوماسية، تتقاطع عند أمر وحيد: المنطقة على شفير تبدّلات جذرية!
لم يفهم المسؤول المذكور حتى الآن ما المقصود بـ»التبدّلات الجذرية»، الّا أنّ ما نُمي إليه من حركة تلك الشخصيات، انّها تمسك رؤوس خيوط، عمّا قد يحصل، وضمن بقعة جغرافية تمتد من إيران، الى سوريا، الى فلسطين فلبنان. وانّ المسألة ليست طويلة، بل هي مسألة اسابيع قليلة، تبدأ شرارتها الاولى مع الاعلان المرتقب لـ»صفقة القرن» التي دخلت مرحلة التمهيد لهذا الإعلان مع مؤتمر البحرين اواخر الشهر المقبل، بإدارة ورعاية مباشرة من قِبل الولايات المتحدة الاميركية.
اربع نقاط تؤشر إليها تلك الشخصيات:
الأولى، إيران، حيث يبدو التوجّه جدياً، نحو تحييدها، بمزيد من الضغوط التي تُمارس عليها من قِبل الولايات المتحدة، بما يتخطّى العقوبات والحصار وإنهاء إعفاءات التصدير النفطي، الى حدّ الدخول في مواجهة مباشرة معها يمكن وصفها بأكبر من اشتباك وأصغر من حرب، حيث قد تأخذ شكل ضربات موضعية لبعض الأهداف.
الثانية، سوريا، حيث يبدو التوجّه واضحاً نحو إجراءات قاسية ضدّ النظام السوري، من دون ان تُحدّد ماهية هذه الاجراءات ونوعيتها ومكانها وزمانها. وايضاً من دون ان تُحدد الجهات التي ستنفّذ هذه الإجراءات.
الثالثة، فلسطين، وهي الهدف الاساس لـ»صفقة القرن»، والتي ان مرّت كما هو مرسوم لها، سترسم خريطة فلسطينية جديدة، تُنهي بشكل كامل ما اتُفق على تسميته منذ نكبة فلسطين بـ»القضية الفلسطينية». وتترك مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في عالم الشتات.
الرابعة، لبنان، ليس بوصفه ساحة قد تشهد توترات او عمليات عسكرية، بل بوصفه ساحة تلقّي الصدمات العنيفة، وهو على صِغر مساحته الجغرافية، قد يكون الساحة الأكثر تأثراً بالتداعيات. إذ انّ التطورات المحتملة على ساحة المنطقة وربطاً بـ»صفقة القرن»، والتي تهدّد بإعادة خلط الاوراق فيها، ستجعله يرزح امام خطر التوطين المزدوج، اي الخطر الاصغر هو توطين الفلسطينيين، والخطر الاكبر هو توطين السوريين، الذين زاد عددهم عن المليونين.
يكشف المسؤول الكبير، انّ ما حملته تلك الشخصيات الى بيروت في الآونة الاخيرة، يؤكّد انّ «صفقة القرن» صارت امراً واقعاً، ويمكن القول إنّها دخلت فعلاً مرحلة التطبيق، ولن يعيق تقدّمها شيء. والسؤال هنا، ليس عن تأثيراتها في فلسطين في ظل رفض الفصائل الفلسطينية لها، والتلويح بانتفاضة في مواجهتها تشارك فيها مختلف الفصائل الفلسطينية. لكن السؤال هو عن لبنان: هل يستطيع ان يمنع توطين الفلسطينيين ويجنّب نفسه تجرّع هذه الكأس؟
يؤكّد المسؤول عينه، انّ بعض تلك الشخصيات قاربت ملف التوطين في حديثها مع بعض اللبنانيين، بوصفه امراً واقعاً. وانّ فرص تثبيته في لبنان في هذه المرحلة أكبر من أي وقت مضى، وانه قد لا يكون في استطاعة لبنان ان يمنعه. وبدا واضحاً في كلام تلك الشخصيات انّها تقارب الموضوع بنفس إغرائي، بأنّ لبنان قد يجني فائدة مالية كبرى من التوطين. ذلك انّ ثمة توجهاً واضحاً في «صفقة القرن» الى توفير مبالغ مالية كبيرة للدول التي تستضيف لاجئين فلسطينيين.
المفاجىء في الامر، يضيف المسؤول نفسه، هو السؤال المريب الذي طُرح على لسان أحد المسؤولين الأمنيين الاوروبيين، ومفاده: اي توترات قد تحصل لن تكون في مصلحة احد. أليس الأجدى للبنان ان يقبل بتوطين الفلسطينيين لديه، وخصوصاً انّ عددهم يمكن استيعابه (174 الفاً)، كما استوعبهم على مدى السنين الماضية، فهذا الامر سيرتد بفائدة مالية على لبنان تساعده في أزمته الاقتصادية الخانقة التي يعانيها؟ وايضاً، أليس الأجدى له ان يبدأ بالاهتمام بترتيب شؤونه الداخلية، دون الغرق في المشكلات المحيطة به، وينصرف الى بدء التحضير لكيفية الاستفادة من ثرواته البحرية، خصوصاً انّ مسألة الحدود قد دخلت مرحلة الحل، والاميركيون جادّون هذه المرة في صياغة حل بين لبنان واسرائيل؟
يكشف المسؤول، انّ الجواب على هذا الكلام الخطير، خلاصته الآتي:
اولاً، انّ لبنان لا يملك الّا ان يعارض هذه المسألة الخطيرة. ورفض التوطين يُفترض انّه هو محل إجماع بين كل اللبنانيين، وجرى التأكيد عليه في الطائف وفي الدستور اللبناني، وهو بالتالي غير دستوري وغير شرعي وغير شعبي، ويوجّه ضربة في الصميم الى الكيان اللبناني.
ثانياً، انّ لبنان لا يمكن ان يتهاون حول هذا الامر. فالضعف لا يردع، بل القوة هي التي تردع، وعنصر القوة الاساس هو الوحدة الداخلية. ورفض التوطين او قبوله بالنسبة الى اللبنانيين هو كمن يخيّرهم بين الحياة والموت.
ثالثاً، انّ ما يعني اللبنانيين هو أمن لبنان، والتزاماتهم الدولية مشروعة بوضع حدود لكل التعدّيات الاسرائيلية على بلدهم، وبالتالي هم ليسوا معنيين ابداً بأمن اسرائيل.
وعلى الخط الساخن نفسه، معلّق ايضاً ملف النازحين السوريين، وتلك الشخصيات قاربته كملف عالق بالكامل، الى حد نعي إمكانية العودة في المدى المنظور. والاتهام جاهز لدى هذه الشخصيات بأنّ النظام السوري يرفض إعادة هؤلاء.
السيد حسن نصرالله قال بالأمس، إنّه طرح مسألة إعادتهم مع الرئيس السوري بشار الاسد وانّه موافق، وتحدّث الامين العام لـ»حزب الله» في الوقت نفسه عن معلومات تفيد بتأخير دولي متعمّد لاعادة النازحين الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في سوريا.
يقول المسؤول الكبير، إنّه توقف ملياً عند ما قاله نصرالله .. ويذكر، انّه بعد حرب تموز لم يكن الاسرائيليون يريدون عودة الاهالي الى بلداتهم التي هُجّروا منها جرّاء الحرب، ومع ذلك اتخذنا القرار وعاد الاهالي في اللحظة التي أُعلن فيها قرار وقف العمليات الحربية آنذاك. إعادة النازحين السوريين تتطلب قراراً جريئاً من الدولة اللبنانية بالدخول بحوار مباشر مع الدولة السورية لإعادتهم. الا انّ الشرط الاساس هو ان يكون اللبنانيون بموقف واحد وكلمة واحدة حول هذا الامر، وليس فريقاً مع العودة وفريقاً ضدها.
وعلى قاعدة أشهد انني قد بلغت، يقول المسؤول عينه: ما يجب ان يكون معلوماً بالنسبة الى اللبنانيين، هو انّ دولاً تدفع للسوريين من أجل ان يبقوا في لبنان، وجزء كبير من السوريين يتجاوبون مع هذه الإغراءات. وهنا مكمن الخطر. والخطر الاكبر هو انّ لبنان اليوم امام توطين مقنّع للسوريين. واستمرارنا على هذا التباين في الداخل، سيثبت هذا التوطين الى ما شاء الله. وساعتئذ لن ينفع الندم.