بعد بضع ساعات من الإعلان الاحتفالي بالتوصل إلى اتفاق شبه نهائي على انضمام حزب اليهود الروس برئاسة أفيغدور ليبرمان، إلى الائتلاف الحكومي الجديد برئاسة بنيامين نتنياهو، عاد المقربون من الطرفين إلى الحديث عن تفجّر أزمة جديدة. فهرع نتنياهو إلى بقية حلفائه، فدعا رؤساء جميع كتل الأحزاب اليمينية التي أوصت بتكليفه بتشكيل الحكومة (باستثناء ليبرمان)، إلى جلسة ليلية مغلقة في مكتبه، ليتعهدوا جميعاً بأن يبقوا معه «في كل الظروف» حتى لو أقام حكومة أقلية تستند إلى 60 من مجموع 120 نائباً. وراح يهدد باللجوء إلى الانتخابات مجدداً.
واتهمت مصادر في الليكود ليبرمان بأنه «سحب أصوات ناخبي اليمين، ويستعد لنقلها إلى معسكر اليسار». وجاء في بيان رسمي لحزب الليكود، أمس الجمعة، أن «ليبرمان وعد ناخبيه بأنه سيدعم تشكيل حكومة يمينية يرأسها نتنياهو، وهو الآن يتعذر بكل الأعذار الممكنة لإفشال تشكيل هذه الحكومة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشكيل حكومة يسارية». فيما رد ليبرمان بالقول إنه لن يتيح إقامة حكومة يسار، حتى لو بقي في المعارضة. واتهم الليكود (وليس نتنياهو) بالسعي إلى إقامة حكومة منافقة للأحزاب الدينية (اليهودية). وكشف أن أوساطاً من الليكود فحصت معه إمكانية تشكيل حكومة يمين برئاسة شخصية أخرى من الحزب تتآمر على نتنياهو وأنه رفض التجاوب معها.
وقد أدخل نتنياهو وليبرمان رفاقهما في اليمين إلى حيرة متجددة وضغوط شديدة، حيث إنه لم يبق لرئيس الوزراء سوى ثلاثة أيام حتى ينهي مهمة تشكيل حكومته الجديدة، وسيكون عليه أن يعرضها في يوم الثلاثاء المقبل. ويسعى نتنياهو الآن إلى أن يسد الطريق أمام مطالب الأحزاب الحليفة، بل ربما يطالبها بالتراجع عن بعض المكاسب التي حققتها معه خوفاً من الفشل في تشكيل الحكومة. وهو يذكرهم بأن هناك خطراً حقيقياً بأن تنتهي مدة التكليف، الثلاثاء، من دون تشكيل الحكومة وعندها فإن رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، سيكون مضطراً إلى تكليف شخصية غيره لتشكيلها.
لكن من يتابع الأحداث السياسية عموماً في إسرائيل، وخصوصاً في عهد نتنياهو وليبرمان، يعرف أن في الأمر لعبة ما تلائم الدهاء السياسي لهما. فالرجلان يتصرفان كثعلبين سياسيين ويمارسان لعبة شد حبل في مواجهة الحلفاء. والنقاش هو إن كانا يلعبان هذه المرة معاً ضد الحلفاء أو أنهما يلعبان ضد بعضهما البعض مستغلين الأحداث حتى الدقيقة الأخيرة. وهناك قناعة تامة لدى الخبراء المتابعين للأمور بعيداً عن سطحيتها، بأن حكومة بقيادة نتنياهو ستقوم حتماً في هذه الأيام. لأن البديل عنها سيكون أسوأ. ولأن إقامة الحكومة هي الضمان الوحيد لتأجيل محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد، حيث إنه يخطط لسن قوانين عدة تصعّب على القضاء تقديم عضو كنيست إلى المحاكمة. وهذه القوانين لن تكون لفائدة نتنياهو وحده، الذي تنتظره ثلاثة ملفات فساد مُحكمة، بل لفائدة أربعة زعماء آخرين في اليمين ينتظرون الانتهاء من التحقيق في قضايا جنائية ضدهم، وهم: زعيم حزب المتدينين الشرقيين «شاس»، أريه درعي، وزعيم تكتل أحزاب المتدينين الاشكناز «يهدوت هتوراة»، يعقوب ليتسمان، ورئيس كتل الائتلاف الحكومي السابق، ديفيد بيتان.
كلهم، ومعهم نواب ووزراء آخرون يمشون و«على رؤوسهم ريشة» يتوقعون ملفات تحقيق أخرى بحقهم، يرون أن حكومة برئاسة نتنياهو هي الضمان الوحيد لهم لمنع النيابة من جرهم إلى قفص الاتهام وزنازين الاعتقال والسجن. وفي سبيل ذلك هم مستعدون لدفع أي ثمن. وإن كانوا يتمنعون اليوم إزاء التوصل إلى اتفاق نهائي لدخول الائتلاف، فهو تمنع مؤقت يستهدف التفتيش عن فتات المكاسب الأخيرة، لأن القضية الجوهرية هي في مجرد تشكيل الائتلاف. وهم لا يخفون حذرهم من أن لا يخسروا هذه الفرصة، كما حصل لأحزابهم في سنوات سابقة.