هبّ أنّ الله رزقك توفيق زيارة المرجع الأعلى للطّائفة الإثني عشريّة المعاصر السيّد السّيستاني "حفظه الله"؛ لتقبيل يده والتّبرّك برؤيته، والاستفسار منه مباشرة عن بعض المرويّات الّتي تتناقل في الأوساط الحوزويّة وغيرها عنه؛ خصوصاً وقد نبا إلى مسامعك قوله: "كثر عليّ الكذّابة"، وبعد الاجراءات المتداولة في التّفتيش وصلت النّوبة إليك، فسلّمت عليه وقبّلت يده، وقبل أن تسأله عرف ما يدور في خلدك فهمس في أذنك مباشرة: "ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فهو زخرف باطل لم أقله"!!
خرجت من عنده وأنت فرح مستبشر بهذا المقياس الجامع المانع الّذي منحك السّيستاني إيّاه لتميّز من خلاله الصّحاح من المكذوبات والمنحولات عليه، قتلقّاك أبوك فأخبرته عن سبب فرحتك، وإنّك التقيت بالسّيستاني هذا اليوم لتسأله عن صحّة أو سقم ما يتداول عنه في هذه الأيّام وإنّه منحك مقياس العرض على الكتاب لحسم الموقف في نهاية المطاف.
ضحك أبوك كثيراً وقال لك: يا ولدي هذه الآليّة الّتي منحك السّيستاني إيّاها ليست آليّة صحيحة ولا دقيقة، وهي تمنح الكذّابة الّذين تخوّف السّيستاني منهم الحريّة المُطلقة لنشر أكاذيبهم ودجلهم وغلوّهم وأساطيرهم؛ لأنّ الخبراء والمحتالين فيهم سيضعون الأكاذيب عليه الّتي لا تخالف القرآن ويمرّرونها على السُذّج والبسطاء والمغفّلين بهذه الطّريقة، وكان على السّيستاني أن يقول لك: ما رواه الثّقات من أصحابي فصدّق بصدوره عنّي حتّى وإن كان مخالفاً للقرآن، وعلى هذا الأساس: فإذا أخبرك نجله ـ وكان ثقة عندك مثلاً ـ بخبر عنه لا يوافق كتاب الله، فهل يعني إنّ السّيستاني لم يقله مثلاً؟! وإذا أخبرك أحد كذبة المنابر بخبر عنه يوافق كتاب الله فهل يعني ذلك إنّ السّيستاني قاله مثلاً؟! نعم؛ إذا استحكم التّعارض بين خبرين جزمنا بتوفّر طريق كلّ منهما على الضّوابط الصّحيحة في الانتساب فيمكن أن يُصار حينئذ إلى التّرجيح بينهما وفق آليّة العرض على الكتاب إذا ما ثبت في رتبة سابقة بدليل معتبر: إنّ السّيستاني لا يتكلّم على خلافه على الإطلاق، وهذا موضوع آخر بحاجة إلى تفصيلات عدّة.
أتمنّى أن يكون المثال أعلاه مناسباً كمقدّمة لذكر بعض تأمّلاتنا حول آليّة العرض على كتاب الله كمرجعيّة يُروّج لها بشدّة في هذه الأيّام وما قبلها بغية تمرير الأساطير والخرافات والمذهبيّات؛ فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.