كانت الظروف التي عاشها الإمام الحسين "ع" قبل تفجير ثورته الخالدة، قاسية جدًا على المعارضة التي لم يعد أحد يسمع من صوتها الا همسات متقطعة، أشبه ما تكون بهمسات الحزن المتبادل بين يتيمين صغيرين في ظلال ليل دامس.
أما السجون، فقد امتلأت برجال المعارضة، والصحاري القفار شهدت موجات متلاحقة من تهجير المناضلين، وأما البيوت تعرضت للهدم، واما العوائل لم تخلوا من الثكلى، وأطبق اليأس بجناحيه على الأمة، فراحت تغط في نوم واستسلام عميقين.
لقد أصبح يزيد هو الحاكم الآن، وعلى الأمة أن تبايعه، أما طوعًا أو كرهًا حكم بالقمع والحديد واعتبر الناس كلهم له عبيد، فأخذ البيعة له من الجماهير قهرًا وقسرًا، فاذا كان هو يزيد فماذا سيكون موقف الامام الحسين "ع"، طبيعي أن مثل الحسين "ع" لا يبايع الطاغية يزيد.
إقرأ أيضًا: رئيس الجمهورية حالُهُ حال المواطن.. يُعاني ثقل المديونية
لذا اصبح الإمام الحسين المثل الأعلى للمعارضة ضد الظلم والطغيان، والنموذج الفريد في الكفاح والصمود ضد كل طاغية في كل عصر وفي كل مكان ضد كل الطواغيت الذين يعيشون على دماء المستضعفين والمحرومين، ويبنون من هياكلهم وجماجمهم عروشهم التي علت وصرح ملكهم الذي ارتفع.
ويثور الامام الحسين "ع" محطما كل تلك العروش، وهادما كل تلك الصروح، حاملًا شعاره الابدي "اني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برماً"...
وهنا يأتي السؤال الملح ليفرض نفسه علينا ازاء الواقع المرير الذي نعيشه في ظل الطغمة اليزيدية التي تعيث في الارض فسادا وفتنة: ماذا كان سيفعل الحسين "ع" لو وجد الآن بيننا؟ هل كان سيسكت؟ هل كان سيحتفل بذكرى ميلاده؟ أم كان سينضم إلى هؤلاء الجياع والمضطهدين، ويتبنى قضاياهم العادلة؟ ويحمل لواء الجهاد ويناضل من اجلهم هو وعياله واصحابه حتى ينتصر لهم او يستشهد؟ اليس ذلك ما كان سيفعله الامام الحسين لو كان موجودًا الآن بيننا؟
اذن فاذا كنا نحن مؤمنين حسينيين، فعلينا ان نسير على خطه ومنهجه في وقت نرى الأمة فيه تتمزق بسياط الظلم والجهل والفقر والحرمان والكبت والتخلف، وهو القائل فينا: "كونوا احرارا في دنياكم"، فكيف نرضى بأن نكون ذيولًا... الإمام الحسين يريد منا المحافظة على كرامتنا وحرياتنا، ونحن نقبل هدر الكرامات ونسكت على كبت الحريات، ونرضى بالتبعية وفي نفس الوقت نحتفل بذكرى استشهاد الحسين "ع" اليس ذلك قتلًا للإمام الحسين ومبادئه التي هي مبادئ السماء؟!!