قلتُ أيضاً للمشارك من داخل الإدارة الأميركيّة في عمليّة السلام الشرق الأوسطيّة منذ بدئها عام 1991 الذي صار باحثاً مُهمّاً في أحد أكثر مراكز الأبحاث صدقيّة في واشنطن: شعب إيران يحب أميركا. يدعوه حكّامه إلى التعامل اقتصاديّاً وتجاريّاً مع الصين التي فيها كل ما يحتاج إليه في عصر العقوبات المفروضة عليه وعلى بلاده. لكنه لا يتجاوب إلّا إذا وجد نفسه مضطرّاً إلى ذلك. يُفضّل أميركا والمانيا وأوروبا عموماً. هو شعب فخور. إذ حتّى الإيرانيّون الأميركيّون أو الحائزون على إقامة دائمة وقفوا إلى جانب وطنهم الأم في أثناء خلافه وأميركا على الموضوع النووي. وفي أي حال لا أعتقد أن إيران ستضرب أميركا وأن الأخيرة ستحاربها مباشرة إلّا إذا اضطرّتا إلى ذلك. علّق: “ترامب وبومبيو يُريدان تغيير النظام الإيراني”. ردّيت: قالا أنّهما سيكونان سعيدين إذا تغيّر النظام أو سقط بفعل العقوبات الأميركيّة والدوليّة المفروضة على إيران. لكنّهما أكّدا أن ذلك ليس هدفهما. الهدف هو إجبارها على المجيء إلى طاولة المفاوضات لإعادة البحث في الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 وفي مشروعها الصاروخي الباليستي، كما للبحث في دورها الإقليمي. طبعاً هناك رهان عند البعض في المنطقة والعالم على حصول انقسامات داخل السلطة بل النظام الإيراني سواء نتيجة مشكلات اقتصاديّة أو ضربة أميركيّة أو غضب شعبي عارم. لكن أسياد النظام ليسوا أغبياء. قبل مدّة وبعد استقالة وزير الخارجيّة محمد جواد ظريف وقبلاً بعد التظاهرات الشعبيّة التي انطلقت من مشهد قيل أن انقساماً داخل السلطة سيحصل، ولا سيما بعدما قال الوليّ الفقيه خامنئي أن الفساد ليست أميركا مسؤولة عنه بل هو داخلي. وقيل في حينه أن الرئيس روحاني فشل في الملف النووي وفي الملف الاقتصادي وفي مكافحة الفساد وأنه سيدفع الثمن بالاستقالة. لكن ما حصل كان تكتّل المحافظين والمُتشدّدين بقيادة خامنئي وروحاني و”الحرس” لمواجهة التطوّرات السلبيّة في الداخل وضغوط الخارج الأميركي وغير الأميركي. والدافع إلى ذلك كان المحافظة على النظام. طبعاً صار قاسم سليماني في إيران شخصيّة وطنيّة – قوميّة بل رقم 1 بالغ الأهميّة. و”الحرس الثوري” هو الذي ساهم في المجيء بخامنئي إلى الموقع الأوّل في السلطة. وربّما يجد العسكر الإيراني متمثّلاً بـ”الحرس” والجيش نفسه مستقبلاً مُضطرّاً إلى الحكم مباشرة من دون التخلّي عن غطاء العلماء والملالي. لكن ذلك كلّه لا يعني أن إيران سُتقسّم أو تفرط أو لن تستحق دوراً إقليميّاً مُهمّاً.
“ماذا عن تركيا؟” سأل. أجبت: تركيا كانت واحداً من الثلاثي غير العربي الذي “سيحكم” المنطقة مستقبلاً والذي يضمّ إليها إسرائيل (مع يهود الغرب وأميركا وأوروبا) وإيران. الأولى سنيّة والأخيرة شيعيّة. وأتى ذلك بعد رهان أميركا في حينه وتحديداً في عهد الرئيس السابق أوباما على دور مُهمّ لتركيا في الشرق الأوسط المسلم، بسبب نظامها العلماني واعتدال إسلاميّة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ سنوات طويلة. لكن التطوّرات التي حصلت لاحقاً في هذه الدولة، مثل التوجّه نحو التطرّف الإسلامي في الداخل كما في المنطقة والعالم، و”الطموحات السلطانيّة” والتعاون مع روسيا وتهديد أميركا بشراء صواريخها S400، دفعت أميركا إلى القلق منها وربّما إلى الاعتقاد بانتفاء حاجتها إلى تركيا سدّاً منيعاً أمام روسيا الجديدة رغم طموحاتها بعد انهيار الخطر السوفياتي عليها في تلك المنطقة. وربّما صار حلف شمال الأطلسي غير مهتمّ بتركيا، فضلاً عن أن أوروبا لا تريدها بعد تحوّلها الإسلامي – السلطاني الواضح. رغم ذلك كلّه أعتقد أن تركيا لا تزال دولة مُهمّة. لكن موقعها في الثلاثي غير العربي المتوقّع حكمه للمنطقة والمُشار إليه أعلاه لم يعد مضموناً مئة في المئة. ولا يعني ذلك طبعاً أن السعوديّة السُنيّة العربيّة مؤهّلة لأن تحل مكانها في هذا الثلاثي. صحيح أن الحرمين الشريفين على أرضها وعندها النفط والغاز. لكن هل يكفي ذلك لكي تكون أحد أقطابه؟ فهي لا تزال في حاجة إلى من يحميها بعكس إيران رغم مشكلاتها وتركيا وإسرائيل. وأميركا هي التي تحميها وتستفيد منها. علّق: “لكن ترامب مُتمَسِّك بالتحالف معها ومُقتنع بأن التحالف استراتيجي”. ردّيت: هل تُصدّق أنت ذلك؟ صحيح أن ترامب ليس عنصريّاً ولا استراتيجيا لديه لكنّه ليس غبيّاً. من يريد السعوديّة حليفة له وصاحبة دولي إقليمي مُهمّ أو من هو مُقتنع بأنّها كذلك لا “يُبهدلها”، كما فعل بقوله نحميكِ ومن دوننا لن تصمدي أسبوعين ونريد أموالاً لقاء ذلك. لم يكفِ ترامب نفطها وغازها. يعرف ترامب أن السعوديّة ستحتاج دائماً إلى حماية مباشرة من الخارج ولمدّة طويلة. علماً أنّه أو بالأحرى أميركا تحتاج إلى ثلاثي يستطيع أعضاؤه منفردين ومجتمعين الدفاع عن أنفسهم وعن المنطقة بمساعدتها. على كلٍّ لا يعني ذلك أن السعوديّة لا أمل فيها ومنها. إذا نجحت رؤية 2030 ونجح صاحبها وليّ العهد محمد بن سلمان في تنفيذها جديّاً وصمد فإن مملكته قد تشهد تغييراً ربّما يؤهّلها مع الوقت لتُصبح “دولة” قادرة على حماية نفسها والاشتراك في حماية المنطقة. سأل: “من يستطيع أن يحل محل تركيا في الثلاثي المُشار إليه أعلاه؟”. أجبت: يعتقد البعض في المنطقة وخارجها أن مصر ستتأهّل من جديد لدور كهذا كونها الدولة العربيّة الأكبر، ولأن فيها دولة عميقة وجيش كبير، ولأن أبناءها مصريّون عن اقتناع رغم بعض الخلافات الطائفيّة بينهم. لكن ذلك يحتاج إلى وقت. ومصر الحالية عاجزة عن القيام بهذا الدور.
ماذا قلتُ أيضاً عن هذا الأمر؟