تقديرات حول المواقف من التوتر بين ايران و الولايات المتحدة بالتزامن مع الاستعداد للجزء الاول من صفقة القرن.
وفيما يلي ابرز التقارير الصادرة اليوم الثلاثاء.
معاريف
واشنطن تعرض الجزء الأول من "صفقة القرن" المتعلق بالجانب الاقتصادي الهادف إلى تشجيع الاستثمارات في الضفة والقطاع
عرض بيان صادر عن البيت الأبيض في واشنطن الليلة الماضية الجزء الأول من خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن".
وذكر البيان أن هذا الجزء يتعلق بالجانب الاقتصادي ويهدف إلى تشجيع الاستثمارات في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال إن الاجتماع الرئيسي لتجنيد هذه الاستثمارات سيجري في العاصمة البحرينية المنامة بمشاركة وزراء اقتصاد ورجال أعمال. وسيشارك في هذا الاجتماع الذي سيعقد ما بين 25 و26 حزيران/يونيو المقبل، مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات ومستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير. وأكد البيان انه في حال تنفيذ هذا الجزء ستكون لهذه الخطة قدرة على تغيير حياة سكان المنطقة بصورة كبيرة.
ووفقاً للبيان، يتضمن الجزء الأول من خطة السلام 4 مركبات أساسية هي: البنية التحتية، والصناعة، والإصلاحات الحكومية، وتعزيز قدرة الناس وتشجيعهم على تحويل المناطق [المحتلة] إلى مستثمرة قدر المستطاع.
وأشار البيان إلى أن الإدارة الأميركية ستحاول وضع الخلافات السياسية الإشكالية مثل القدس والجوانب الأمنية جانباً خلال الاجتماع الاقتصادي في المنامة، ولذا ستتم دعوة وزراء الاقتصاد وليس وزراء الخارجية إليه.
وقال مصدر رفيع المستوى في البيت الأبيض لشبكة التلفزة الأميركية "سي أن أن" إن المسؤولين في واشنطن يدركون أهمية دمج الجانب السياسي في الجانب الاقتصادي، لكن من المهم إظهار رغبة شركات استثمارية في الاستثمار في المنطقة لكل من إسرائيل والفلسطينيين.
وشدّد المصدر نفسه على أن الاجتماع في المنامة لا يهدف إلى القول للفلسطينيين إن اعتبارات الرخاء الاقتصادي ستكون في مقابل تقديم تنازلات كبرى في المستقبل.
يديعوت أحرونوت
الجيش الإسرائيلي بدأ بإقامة ساتر ترابي على امتداد الطريق المحاذي لشمال قطاع غزة
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن الجيش بدأ أمس (الأحد) بإقامة ساتر ترابي على امتداد الطريق المحاذي لشمال قطاع غزة بغية إحباط محاولات استهداف سيارات وآليات عسكرية إسرائيلية بصواريخ مضادة للمدرعات من جهة القطاع.
وأضاف البيان أن الأجهزة الأمنية تقوم أيضاً بنصب منظومات إنذار على امتداد منطقة الحدود مع القطاع بالإضافة إلى نصب أجهزة أُخرى للكشف عن أنفاق هجومية تقوم عناصر إرهابية بحفرها من جهة القطاع.
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى إن قرار إقامة الساتر الترابي اتُخذ في إثر مقتل مستوطن إسرائيلي جرّاء استهداف سيارته بصاروخ من طراز "كورنيت" بالقرب من مستوطنة "ناحل عوز" خلال جولة التصعيد الأمنية الأخيرة.
على صعيد آخر، أعلن الجيش الإسرائيلي أن حريقاً شبّ أمس في منطقة المجلس الإقليمي "شاعر هنيغف" في النقب الغربي بسبب بالون حارق تم إطلاقه من قطاع غزة. والتهمت النيران 50 بالة تبن من دون وقوع إصابات.
وكانت اللجنة العليا المنظِمة لـ"مسيرات العودة وكسر الحصار" أعلنت في نهاية الأسبوع الفائت إلغاء التظاهرات الأسبوعية في منطقة الحدود مع قطاع غزة يوم الجمعة الماضي بسبب ارتفاع درجات الحرارة وصيام رمضان.
وأضافت اللجنة أن هذا الإلغاء يهدف أيضاً إلى التخفيف على السكان في إثر مشاركتهم في التظاهرات الضخمة التي جرت يوم الأربعاء الفائت في مناسبة الذكرى الـ71 للنكبة.
في المقابل، قالت مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى إن حركة "حماس" اتخذت قرار إلغاء "مسيرات العودة" من أجل الحفاظ على التهدئة في أثناء إجراء مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" في تل أبيب.
يسرائيل هَيوم
إيران تبحث عن رد على التحدي الأميركي
إفرايم كام - باحث في معهد دراسات الأمن القومي
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران قبل عام، تتخبط القيادة الإيرانية محاوِلةً بلورة رد مناسب على التحدي الأميركي من دون أن تنجح في ذلك حتى الآن. من حيث المبدأ تسعى طهران لبقاء الاتفاق ساري المفعول، لأنه جرى بفضله رفع معظم العقوبات التي فُرضت عليها بسبب نشاطاتها النووية وفاقمت وضعها الاقتصادي. علاوة على ذلك، عندما تنتهي صلاحية الاتفاق في العقد المقبل، سيُسمح لإيران بتوسيع مشروعها النووي والاقتراب من القفز إلى سلاح نووي. انسحاب الولايات المتحدة يطرح تساؤلات بشأن هذه المزايا.
حاولت إيران في مرحلة أولى إبقاء الاتفاق حياً، على الأقل إزاء الشركاء الآخرين في أوروبا، على أمل بألّا يُنتخب ترامب رئيساً لولاية ثانية في سنة 2020. واستند هذا الجهد إلى استعداد الحكومات الأوروبية للقيام بخطوات للالتفاف على العقوبات الأميركية، وحتى تعويض إيران من الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها.
لكن هذا الرد لم يكن كافياً. فقد تغلبت العقوبات الأميركية على عمليات المساعدة الأوروبية، واستمر تفاقم الوضع الاقتصادي في إيران. نتيجة ذلك، طلبت إيران في الأشهر الأخيرة من الحكومات الأوروبية زيادة التعويض الاقتصادي الذي وعدت إيران به، بحسب ادعائها، في أعقاب الأضرار التي نجمت عن العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، هددت إيران أنه من دون التعويض عليها فإنها ستوسع عملية تخصيب اليورانيوم وستعيده إلى المستوى الذي كان عليه قبل الاتفاق.
هذه التهديدات أوصلت إيران في 8 أيار/مايو إلى إعلان الوقف الفوري لتطبيق جزء من تعهداتها في إطار الاتفاق، ونيتها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم خلال شهرين، إذا لم تفِ الحكومات الأوروبية بالتزاماتها بالتعويض عليها. وأعلنت طهران أن خطواتها هذه لا تشكل خرقاً للاتفاق، لكن من الواضح أنها إذا رفعت درجة التخصيب، كما قالت، فإن أي دولة من الدول المشاركة في الاتفاق لن تؤيد موقفها.
بالإضافة إلى ذلك، في المرحلة الحالية أعرب عدد من الدول المشاركة في الاتفاق، بينها روسيا، عن تحفظها عن الخطوة الإيرانية. كما أعلنت فرنسا أنه إذا لم تلتزم إيران بتعهداتها، فستُفرض عليها عقوبات جديدة. نتيجة ذلك، تقف إيران اليوم أمام خيارين صعبين: الأول، الالتزام بالاتفاق من دون الموافقة على مطالبها مع وضع اقتصادي صعب؛ والثاني، مواصلة خطواتها في الضغط، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الاتفاق، وسيوحّد من جديد الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة من أجل تشديد العقوبات، بينما ستتهم إيران بأنها هي المسؤولة عن ذلك.
نظرياً هناك خيار إضافي: مفاوضات جديدة لتحسين الاتفاق. إجمالاً، تبدي واشنطن وطهران اهتماماً علنياً بذلك، لكنهما يقصدان أموراً مختلفة تماماً. ترامب مهتم بمفاوضات تعالج النواحي الإشكالية في الاتفاق، مثل تمديد القيود المفروضة على المشروع النووي الإيراني، وفرض قيود أيضاً على مشروعها للصواريخ. في قضية الصواريخ يقترب موقف ترامب من موقف الحكومات الأوروبية القلقة من تحسين منظومة الصواريخ الإيرانية التي تغطي أوروبا كلها. من الواضح أن إيران ترفض هذه المطالب رفضاً كلياً. من جهتها هي مستعدة لإجراء مفاوضات شرط أن تنضم الولايات المتحدة مجدداً إلى الاتفاق وتلغي العقوبات الجديدة وتعتذر عن أعمالها. لا لزوم للقول إن ترامب لا يفكر في ذلك.
ازدياد الضغط الأميركي على إيران واحتمال انهيار الاتفاق النووي يطرحان إمكان حدوث مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة. حدثان وقعا في الأسبوعين الماضيين زادا من التخوف: إرسال حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" إلى الخليج، ووصول قاذفات B-52 إلى قطر - بحسب الإدارة الأميركية لمواجهة تهديدات إيران؛ و"العمل الإرهابي" ضد أربع سفن - بينها سفن شحن سعودية للنفط - في الخليج بالقرب من شواطىء اتحاد الإمارات.
يمكن الافتراض أن الطرفين لا يرغبان في صراع عسكري، واحتمال حدوثه ضئيل. لأن آخر ما ترغب فيه إيران هو مواجهة مع قوة عظمى، موازين القوى حيالها واضحة. وترامب من جهته يؤمن بضغوط اقتصادية كبيرة وليس بعملية عسكرية. لكن نظراً إلى أن عدم وجود تواصل بين الطرفين، وشكوكهما ببعضهما، ولأن إيران تستخدم ميليشيات شيعية وهجمات لإخفاء تدخلها - فإن احتمال حدوث تدهور غير مسيطَر عليه ليس أمراً مستحيلاً.
هآرتس
ملك الأردن خائف
تسفي برئيل - محلل سياسي
الأميرة بسمة بنت طلال، شقيقة الملك حسين وعمة الملك عبد الله، عرفت منذ سنة 2013 أن الساطور مسلط فوق رأسها. حينها، وكجزء من حملة هجومية للقضاء على الفساد، كشفت اللجنة البرلمانية لمحاربة الفساد أن زوج الأميرة وليد الكردي الذي كان يترأس شركة مناجم الفوسفات في المملكة، استغل منصبه وقام بأعمال فساد تقدّر بعشرات ملايين الدولارات.
عشية استدعائه للشهادة أمام اللجنة البرلمانية غادر الكردي الأردن ولجأ إلى لندن، حيث يقيم حتى الآن. حُكم عليه غيابياً بالسجن 37 عاماً وغرامة قدرها 379 مليون دولار. ومنذ ذلك الحين تطالب المملكة باسترداده من دون نجاح، لكن من المحتمل في المرحلة القريبة أن تجري بلورة صفقة تسمح للكردي بالعودة إلى الأردن والاجتماع بعائلته. ليس واضحاً ما هو مضمون الصفقة، لكنها من المفترض أن تحافظ على كرامة المملكة، أي كرامة الملك، وأيضاً ألاّ يؤدي ذلك إلى صدع داخل العائلة الملكية. وهذه مهمة ليست بسيطة بالنسبة إلى عبد الله الذي يواجه انتقادات عامة حادة بسبب طريقة إدارته المملكة، وفي الوقت الذي يُتهم هو وأبناء عائلته المقرّبون، وبينهم زوجته رانيا، بالفساد وانتهاك الدستور.
بدأت المصاعب الأخيرة في كانون الأول/ديسمبر، عندما تظاهر آلاف المواطنين الأردنيين ضد رفع أسعار الوقود، ووصلت معدلات البطالة إلى 19%، مع غياب أفق اقتصادي. وفي شباط/فبراير نشر الوزير السابق أمجد هزاع المجالي رسالة إلى الملك حادة بصورة خاصة، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، طالبه فيها "باتخاذ خطوات عملية وفعالة لمحاربة الفساد وتوقيف الفاسدين، بينهم من هم في الوسط الفاسد المقرب منه". بالإضافة إلى ذلك، طالب المجالي باستعادة خزينة الدولة الأموال التي نُهبت، واتهم الملك بأنه هو "الذي يحمي نموذج حكم سياسي واقتصادي قائم على الفساد والاستبداد".
المجالي، ابن مَن كان رئيساً للحكومة الأردنية في ستينيات القرن الماضي، وإبن عائلة حابس المجالي، رئيس أركان الجيش الأردني لأكثر من 20 عاماً، وكان هو نفسه مستشاراً مقرباً من الملك حسين - وينتمي إلى ما يُسمى "الحرس القديم" - أي النخبة "الأصيلة" والثريّة التي ما تزال تجد صعوبة في استيعاب حقيقة أن الزمن تغير، وأن الملك لم يعد ذلك الشاب الذي كان في الـ36 من عمره عندما تُوّج، وأن قدرتها على التأثير المباشر في اتخاذ القرارات آخذة في التقلص خلال عقدين من حكمه.
لكن هذه النخبة ما تزال قادرة على التسبب بعدد غير قليل من المشكلات للملك. زعاماتها تنتمي إلى عائلات لها جذور أو إلى عشائر كبيرة وأصحاب أموال، وكان لها طوال أجيال علاقات متبادلة مع القصر الملكي. جزء منها ما يزال قريباً من الملك، وآخرون يدّعون أنهم ذوو نفوذ ولديهم جميعاً صالونات سياسية في منازلهم، يقومون فيها بذبح البلاط الملكي وتقطيعه شلواً شلواً.
صالونات النخبة ليست ظاهرة جديدة. فقد كانت تُستخدم كمكان يجري التخطيط فيه لتحركات سياسية واقتصادية، وكان يجتمع فيها فلول قدامى كبار الموظفين، بينهم وزراء وقدامى ضباط الجيش، ومنها عاد بعضهم إلى الوظائف الكبيرة. التغيرات الحكومية المتعاقبة التي قام بها الملك حسين، والسياسة التي أورثها لابنه عبد الله، هما اللذان غذّيا بكثرة هذه "الملاجىء السياسية" التي تراكمت فيها طبقات من المرارة والإحباط ونفاذ الصبر. التهديد المباشر هو أن العلاقات الوثيقة بين كبار المسؤولين الذين طُردوا وبين كبار المسؤولين العاملين يمكن أن تؤدي، في ظروف مؤاتية، إلى انقلاب في البلاط الملكي. بصورة عامة، الحل هو جولة إضافية من الإقالات والتعيينات، بغرض زعزعة هذه العلاقات، والتوضيح أن "مؤامرة" - حقيقة أو متوهمة - كُشفت.
في الشهر الماضي نشرت صحيفة "القبس" خبراً مذهلاً مفاده أن "المملكة نجت من مؤامرة خطرة" هدفها زعزعة المملكة من خلال تحريك الشارع الأردني وتوسيع الانتقادات الموجهة إلى الملك بسبب أسلوبه في تعيين رئيس حكومته ومعارضته صفقة القرن لدونالد ترامب. رد الملك كان سريعاً: استبدال 6 وزراء في حكومة عمر الرزاز، وإقالة رئيس الاستخبارات، عدنان الجندي، وتطهير الجهاز الرفيع المستوى في القصر الملكي، وطرد كبار المسؤولين في الاستخبارات، بحجة إقامة علاقات مع أعضاء البرلمان وشخصيات أردنية "للمسّ بأمن الدولة".
التقدير في الأردن هو أن هذه الخطوات اتُخذت بهدف استباق الشر المتمثل في "صفقة القرن" التي يتخوف الملك من أنها تريد تحويل المملكة إلى دولة فلسطينية بديلة. وبحسب التقدير، فإن كبار مسؤولي الاستخبارات الذين أُبعدوا هم من مؤيدي الصفقة، وثمة شك في أنه جرى "استخدامهم" من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لتغيير موقف الملك. دليل على هذا الشك وجده المعلقون الأردنيون في الرسالة التي نشرها الملك عبد الله بمناسبة تعيين رئيس الاستخبارات الجديد، والتي كتب فيها" عناصر قليلة في الاستخبارات حاولت استغلال موقعها للدفع قدماً بمصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة".
التوتر بين الملك والاستخبارات هو دائماً مكون ثابت في ميزان القوى الداخلي، لكن هذه المرة يبدو أن الغرض من هذه الخطوة أيضاً إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة، وربما أيضاً إلى إسرائيل، بأن تعاونهما العسكري مع المملكة وثيق، لكن العلاقات السياسية تعاني مشكلات عميقة.
مخاوف إسرائيلية من "تهديدات إيرانية إستراتيجية"
يجري في إسرائيل، مؤخرا، حديث من خلف الكواليس عن مخاوف من تبعات تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج، والخشية من المس بحرية الملاحة إلى إسرائيل ومنها، بما يعتبر تهديدا إستراتيجيا، رغم تقارير سابقة أكدت على أنها شجعت الخط الهجومي الأميركي على إيران، وفي الوقت نفسه أبقت نفسها بعيدة عن خطوط الجبهة.
وتناول تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، مؤخرا، إمكانية إغلاق باب المندب وهرمز، ما تعبره إسرائيل على أنه تهديدات ملموسة، خاصة في ظل النشاط الإيراني منذ سنوات على تطوير قوتها البحرية، في ظل تقديرات تشير إلى أن بناء إسرائيل لقوتها البحرية لا يستجيب بالضرورة للتحديات المرتقبة في ساحة متغيرة.
وفي ظل المخاوف من إغلاق المضائق والمس بحركة السفن من وإلى إسرائيل، فإن خبراء وأمنيين إسرائيليين يعتقدون أنه لا يوجد إستراتيجية بحرية شاملة، وأن سلاح البحرية الإسرائيلي يستعد أساسا لتحديات باتت من الماضي.
إسرائيل تخشى تهديدات إستراتيجية اقتصادية
وكتب المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، يانيف كوبوفيتش، أن "إسرائيل لم تتدخل" في التوتر الحاصل بين إيران والولايات المتحدة، في حين أنه من خلف الكواليس، وعلى المستوى غير الرسمي، يجري الحديث عن مخاوف، حيث تدرك إسرائيل جيدا أن التصعيد المحتمل على محور طهران – واشنطن، يشكل تهديدا إستراتيجيا من نوع آخر، وهو المس بحرية الحركة في مسالك الملاحة لإسرائيل ومنها.
ويشير إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ومسؤولي الاستخبارات الإسرائيليين يتلقون حتلنات جارية من الأميركيين ومن دول أخرى بشأن التطورات، والتي غالبا ما تحمل أسماء باب المندب وهرمز وقناة السويس، والتي تهدد إيران بإغلاقها. وأن إسرائيل تنظر إلى هذه التهديدات على أنها ملموسة.
وبالنسبة لإسرائيل لا يوجد بديل لهذه المسالك البحرية، التي تعتبر الأهم في العالم، حيث تمر 20% من تجارة الوقود العالمية سنويا في هذه المضائق، علما أن 90% من صادرات وواردات إسرائيل تأتي عن طريق البحر، و 12% منها عن طريق باب المندب، وخاصة تجارة إسرائيل مع الشرق، والصين تحديدا، والتي يقدر حجمها بنحو 15 مليار دولار سنويا.
ورغم أن إغلاق هذه المضائق لا يزال على الورق فقط حتى الآن، إلا أنه نظرا لأهمية باب المندب بالنسبة للتصدير والاستيراد الإسرائيليين، فإنه، بحسب كوبوفيتش، لا بد لإسرائيل أن تستعد لمثل هذه السيناريوهات، سواء في المستقبل القريب أم البعيد، والتي سيكون لها ثمن، يكون في أحسن الأحوال ارتفاع أسعار تأمين السفن، وفي أسوأ الأحوال وقف حركة السفن، وعندها سيجد الاقتصاد الإسرائيلي صعوبة في مواجهة ذلك.
وأشار في هذا السياق إلى تهديدات كلامية متبادلة بين إسرائيل وإيران في السابق هدد فيها نتنياهو بمهاجمة إيران من خلال تحالف دولي في حال أغلقت باب المندب.
ويقول برفيسور شاؤول حوريف، الذي أشغل في السابق منصب قائد لسرب الغواصات وسفن الصواريخ، ويترأس اليوم المركز لدراسة السياسة والإستراتيجية البحرية في جامعة حيفا، إنه "لا يوجد لإسرائيل إستراتيجية بحرية شاملة".
وفي التقدير الإستراتيجي البحري لإسرائيل، الذي نشره المركز في كانون الثاني/ يناير الماضي، جاء أنه كان من الأجدر أن يكون رد نتنياهو مدعوما بإستراتيجية شاملة لسلاح البحرية للمواجهة، سواء عن طريق تحالف بحري مع القوى الغربية التي تعمل في المنطقة أو بشكل مستقل.
كما نقل المراسل العسكري تقديرات مماثلة عن شخصيات أمنية حالية وسابقة وباحثين في هذا المجال، والتي تفيد أن سلاح البحرية يبني قوته للعقود القادمة بحيث لا تستجيب بالضرورة للتحديات والمهمات المتوقعة له في هذه الساحة المتغيرة.
ويقول آخرون إن سلاح البحرية لا يزال يفكر بمفاهيم القتال مقابل سفن حربية لـ"العدو"، ويصر على أن يكون ضمن القوى التي تشارك في الجولات القتالية ضد قطاع غزة، رغم أن تأثيرها يعتبر هامشيا أو ليس ذا صلة.
ويشير أمنيون آخرون إلى أن قيادة الجيش وقادة سلاح البحرية ركزوا اهتماماتهم على حماية حقول الغاز، بما ينطوي ذلك على ميزانيات، ولكنهم أهملوا مجالات أخرى لا تقل أهمية، وهي الأمن الجاري.
وكان قائد سلاح البحرية، إيلي شربيت، قد كتب في مجلة "معرخوت"، قبل نحو عام، أن "التهديد على الحيز البحري تغير، وأصبح أكبر ومختلفا عما كان عليه في السابق، ويجب تحقيق تفوق بحري وإقامة جدار حديدي للحماية، سواء المنشآت الإستراتيجية أو الحدود أو الملاحة تحت وفوق الماء". وبعد نحو عام كتب قائد آخر في سلاح البحرية أمورا مماثلة.
وبحسب المركز لدراسة السياسة والإستراتيجية البحرية فإنه تجري في إسرائيل عمليات شراء غير منظمة من قبل سلاح البحرية ووزارة الأمن، وبضمن ذلك التسلح بسفن معدة لمهمات بعيدة، وغير ملائمة لحماية منصات الغاز القريبة، ناهيك عن الأخذ بالحسبان دقة الصواريخ وزيادة مدها، ما يعني أنه يجب على إسرائيل أن تخشى الصواريخ التي تطلق من البر، وليس من البحر.
إيران عملت على تطوير قواتها البحرية
ويشير، في المقابل، إلى أنه إلى جانب التحذيرات من هجمات محتملة من جانب تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" خلال العام الحالي لعرقلة حركة السفن التجارية في مسالك بحرية مهمة، فإن إيران عملت في السنوات الأخيرة على تطوير قواتها البحرية، بهدف تحقيق ردع مقابل الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى، كما أن ذلك يخدم مصالحها في مواقع أخرى مثل سورية واليمن ولبنان.
وبحسبه، فإن لإيران سلاحي بحرية، الأول هو جزء من الجيش النظامي، بينما يعتبر الثاني ذراعا لحرس الثورة ويصل تعداده إلى 20 ألف جندي، بينهم نحو 5 آلاف تابعون لوحدات "الكوماندو". ومهمتها مهاجمة موانئ العدو ومنصات الغاز ومنشآت النفط والطاقة. كما تمتلك هذه القوة القدرة على إطلاق صواريخ من الشاطئ ومن القطع البحرية المعدة لإغلاق مسالك الملاحة حين تقتضي الضرورة، إضافة إلى قطع بحرية سريعة وألغام بحرية ومركبات لإطلاق صواريخ بر – بحر.
ويستكمل سلاح البحرية في الجيش النظامي الإيراني عمل ذراع حرس الثورة، رغم أنه غير قادر على تنفيذ عمليات في منطقة الخليج العربي، ولكن لا يمكن الاستهانة بقوته، حيث يضم أيضا 20 ألف جنديا، بينهم نحو 5 آلاف من الطواقم البحرية. ويضم أيضا لواءين من مشاة البحرية يضم كل واحد منها 6200 جندي، إضافة إلى قوة جوية تضم نحو ألفي جندي.
كما يمتلك سلاح البحرية النظامي سربي سفن مركزيين، وثلاث غواصات قديمة، و 11 سفينة صواريخ، و 13 سفينة برمائية لإنزال مشاة البحرية.
ينضاف إلى ذلك، يضيف المراسل العسكري، أن إيران تقوم بتفعيل مليشيات تعمل على تسليحها بالوسائل القتالية، مثل الحوثيين في اليمن، حيث أن بصمات إيران موجودة في كل الحالات التي استهدف فيها الحوثيون سفنا أجنبية، وخاصة السعودية.
ويضيف أنه في حال قررت إيران إغلاق المضائق، فليس من المستبعد أن يدخل الحوثيون إلى الصورة، وخاصة في باب المندب حيث ينشط التنظيم من داخل اليمن. كما يشير إلى أنهم يقومون بتفعيل مختلف الوسائل، وبضمنها قوات كوماندو بحرية، وقطع ملاحة انتحارية غير مأهولة، وألغام مرتبطة ببعضها البعض ويتم تفعيلها كسلسلة لضرب القطع البحرية.
وفي هذا الإطار، كتب اللفتنانت كولونيل (المقدم) أيال فينكو في نشرة المركز لدراسة السياسة والإستراتيجية البحرية أنه "يبدو أن الساحة في اليمن، وخاصة البحر، تحولت إلى ساحة تجارب للوسائل القتالية الإيرانية، وخاصة قطع الملاحة غير المأهولة وتفعيلها العملاني".
ويعتقد فينكو أنه "في ظل التطورات والتهديد الإيراني للحيز البحري لإسرائيل، يجب على سلاح البحرية والأجهزة الأمنية كلها أن تولي أفضلية قصوى لبناء صورة استخبارية محتلنة بشأن ما يحصل في المنطقة، والتدخل الإيراني والوسائل القتالية والبنى التحتية التي تزودها إيران، والعقيدة القتالية الإيرانية – الحوثية التي تتطور وتطبق في المنطقة".
وتعقيبا على ذلك، يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه "بموجب قرار الحكومة فإن الذراع البحري يتحمل المسؤولية عن حماية المنشآت البحرية في الحيز البحري. ولذلك عمل الجيش على بلورة مفهوم إستراتيجي واضح لحماية المنشآت الإستراتيجية في المياه الاقتصادية والتي صادقت عليها الجهات ذات الصلة في الجيش والمستوى السياسي. وضمن هذا المفهوم، وانطلاقا من إدراك أن كل منشأة إستراتيجية تقتضي حماية وثيقة بغض النظر عن موقعها، فقد خطط مشروع سفن الحماية، كرد فعال للأغراض العملانية".
وأضاف المتحدث أنه "في الواقع الحالي، وفي ظل تغير التهديدات، إضافة إلى التهديدات البرية، يجب مواصلة التدريب، ومواصلة تطوير القدرات القتالية البحرية التقليدية. وهذا المفهوم العملاني لذراع البحرية يتحرك بعوامل أمنية فقط، وبما يتلاءم مع تغير البيئة".
التوتر في الخليج: إسرائيل حرضت وتنأى بنفسها اليوم
إلى جانب الجهود المكثفة لتشكيل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي قبل انقضاء الموعد المحدد، وكذلك "الأحابيل" التي تهدف إلى تخليص رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من لوائح الاتهام ضده، ينشغل "المستوى السياسي" في إسرائيل بقضية أخرى مهمة، وهي الوضع في الخليج، حيث تعمل إسرائيل على تشجيع الخط الهجومي للولايات المتحدة ضد إيران، بينما تنحي نفسها بعيدا على الجبهة.
وتعبير "المستوى السياسي" في هذا السياق، بحسب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، يقتصر على نتنياهو وحده، الذي يشغل منصب وزير الدفاع، في حين أن المجلس الوزاري المصغر معطل تماما.
و"يتمتع" نتنياهو بامتياز مركزي لم يحظ بمثله في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وهو التنسيق عن كثب مع الرئيس الحالي، دونالد ترامب، الذي يتضح أن هناك صعوبة في تقدير نواياه، حيث أنه، وبعد سلسلة تسريبات من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، اهتم ترامب، الأسبوع الماضي، بتبريد الأجواء، وصرح أنه غير معني بالحرب، وتحدث تقارير أميركية عن خلافات في داخل الإدارة بشأن شدة الإجراءات التي يجب اتخاذها ضد إيران.
ولكن ترامب، وبعد تهديدات إيرانية، غيّر، الأحد، اتجاهه، وهدد في تغريدة على تويتر "إذا كانت إيران تريد الحرب، فذلك سيكون نهايتها الرسمية". وجاء التهديد الأميركي بعد ساعات معدودة من سقوط صاروخ في المنطقة الخضراء وسط بغداد، قرب السفارة الأميركية، والذي يأتي بعد سلسلة إنذارات من نوايا إيرانية لضرب أهداف أميركية في العراق.
وسبق هذه الحادثة سلسلة تفجيرات استهدفت أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، وهجمات الحوثيين بطائرات مسيرة على حقل نفطي سعودي.
ولم يستبعد المحلل العسكري، من جهته، بأن يكون لإيران دور في الجولة القتالية الأخيرة مع قطاع غزة، والتي بدأت بإطلاق نيران القناصة من قبل حركة الجهاد الإسلامي.
ويضيف أن المشترك بين الهجمات الثلاث في الخليج هو أن إيران لم تعلن مسؤوليتها، ولكن الفرضية السائدة هي أنها تقف وراء هذه الهجمات، بحيث يمكنها إطلاق تهديدات والاحتفاظ بحيز إنكار الأمر الذي يصعب على الأميركيين الرد بعمليات عسكرية.
ويبدو أن ترامب يحاول تجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط، كما تبدو الخطوات الأميركية دفاعية، علما أنها لم ترد على أي من الهجمات الثلاث. وفي هذه الأثناء يقوم وزير الخارجية العماني بزيارة مفاجئة لإيران، علما أن عُمان كانت قناة وساطة في السابق بين واشنطن وطهران، وخاصة قبل توقيع الاتفاق الأولي عام 2013 الذي سبق الاتفاق النووي.
في المقابل، فإن إسرائيل، بحسب هرئيل، في هذه المواجهة "تأمل أن تأكل الكعكة وتبقيها كاملة"، حيث أن نتنياهو يحث ترامب، منذ فوز الأخير في انتخابات الرئاسة الأميركية، على تبني خط هجومي تجاه إيران، وذلك بهدف فرض تنازلات أخرى على طهران في المجال النووي، وعرقلة دعمها لـ"المنظمات الإرهابية" في الشرق الأوسط.
ويضيف أن ترامب استجاب لاقتراحات نتنياهو قبل سنة في الانسحاب الأميركي ن الاتفاق النووي، تلاها نشر خطة وزير الخارجية، مايك بومبيو، والتي تضمنت 12 خطوة ضد النظام الإيراني وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران.
ويخلص إلى أن إسرائيل ليست معنية في أن تصبح جزءا من خط الجبهة الذي سيشتبك على طوله الإيرانيون مع الولايات المتحدة. ولعل هذا ما يفسر قلة التصريحات الرسمية الإسرائيلية في الشأن الإيراني، والطلب من الوزراء باتباع جانب الحذر في التصريحات بهذا الشأن.
وبحسبه، فإن الحذر يتصل أيضا بالعمليات العسكرية، حيث تحدثت تقارير سورية، نهاية الأسبوع، عن هجومين إسرائيليين على مواقع إيرانية خلال 24 ساعة، الأمر الذي لا يبدو موثوقا، ومن الجائز الافتراض أن إسرائيل ستتجه إلى درجة أعلى من ضبط النفس حتى على الجبهة الشمالية، طالما لم يتضح اتجاه التطورات بين الولايات المتحدة وإيران.