دخل أبو حمزة الخارجي مكة (وهو أحد نُسّاك الاباضيّة واسمه يحيى بن المختار)، فصعد منبرها وحمد الله تعالى ثم قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتأخر ولا يتقدّم إلاّ بإذن الله وأمره ووحيه، أنزل الله له كتاباً بيّن له ما يأتي ويتّقي فلم يكن في شكٍّ من دينه ولا شُبهةٍ في أمره. ثم قبضهُ الله إليه وقد علّم المسلمين معالم دينهم. ومضى أبو حمزة بعد ذلك في استعراض سيرة الخلفاء الراشدين الاربعة، فأثنى على الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وترضّى عنهما، ثمّ أورد بعض الاعتراض على الخليفتين عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب، ثمّ ترضّى عنهما، ثمّ بدأ باستعراض الخلفاء الامويّين، فانتقص من الخليفة معاوية بن أبى سفيان وابنه يزيد، ثمّ اقتصّهم خليفةً خليفة، فلما انتهى إلى عمر بن عبدالعزيز أعرض عنه ولم يذكرهُ، ثمّ نظر في أمر بني أُميّة قاطبةً فقال عنهم بأنّهم فرقة ضلالة: بطشهم بطش جبرية، يأخذون بالظنّة ويقضون بالهوى، ويأخذون الفريضة من غير موضعها، ويضعونها في غير أهلها.
إقرأ أيضًا: يوهبُ لبشارة الأسمر جُرمه ويُضرب على عُذره أربعمائة
في حكم القرآن كما بيّن أبو حمزة الخارجي في خُطبته هذه، أنّ الفرائض تذهب إلى أهلها المبيّتين والمُصنّفين ثمانية أصناف بقوله تعالى (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمُؤلّفة قلوبهم، وفي الرِّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، فأقبل صنفٌ تاسع ليس منها فأخذها كُلّها.
حسب ما ورد على لسان أبي حمزة الخارجي عن الفرقة الحاكمة التي استولت على أموال الفقراء والمساكين والعاملين عليها، إنّما يصدُق في حكومتنا العاكفة على الإجتهاد والتّقصّي في سلب كل ما جنتهُ أيدي اللبنانيين طوال سنوات الحرب التي تمتد لعقودٍ مضت، يتعامون عن الأموال المنهوبة والمرافق المُستباحة والتبذير في كافة القطاعات الحكومية والوظائف الرسمية، ولم يجدوا رزقاً هنيئاً مريئاً سوى في مُرتّبات الذين لا حول و لا طول لهم، امّا الذين نهبوا ويتحفّزوا هذه الأيام لابتلاع ما يُشاع عن أموالٍ قادمة عبر قروض "سيدر"، فهم في حرزٍ حريز، خاصّةً أنّه لا يوجد بين ظهرانينا خارجيٌ أو داخلي يمكن أن يقف في وجههم ويُريح منهم عباد الله المظلومين الصابرين.