يحتل موضوع التقديس ـ على وجه العموم ـ حيزاً كبيراً ومفهوماً واسعاً في الديانات، بحيث قد أصبح مصطلح (التقديس، القداسة ، المقدَّس) من أكثر المصطلحات تداولاً بينهم، وما زال هذا ينتشر بشكلٍ كبير، لأنَّ علاقة المقدَّس بالدين هي علاقة مترابطة تاريخياً، بحيث لا يتصور أي دين بلا مقدَّس، فلهذا نجد أن الدين ممزوج بالمقدسات، كما تجد أنَّ المقدَّس يُكلَّل بمقولات دينية، بحيث سرى من المجردات والغيبيات إلى الموضوعات المادية والمعنوية، هنا لا بد لنا من معرفة هذا المفهوم ـ وخصوصاً عند المسلمين ـ لأنه ليس له معايير اليوم للتمييز بين ما هو مقدَّس وما هو دنيوي غير مقدَّس، جوجلت الفكرة ورجعت إلى معاجم اللغة العربية لمعرفة هذا المفهوم، فكلها دائرة حول معنى التطهير، وإذا رجعنا إلى المعاني الشرعية فهي لا تختلف عن المعنى اللغوي الدائر حول التطهير والتنزيه، فإذاً الضابطة في إطلاق المقدَّس أو التقديس لأي شيء هو الوقوف على ما ورد عليه الدليل، كما جاء في القرآن الكريم، في وصف الوادي المقدَّس والأرض المقدَّسة، لأن الوصف بالتقديس هو حكم شرعي لا يعلم إلا من جهة الشرع، والشارع المقدَّس أي القرآن الكريم، فالآيات التي ورد فيها "المقدَّس" قوله تعالى: (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدّس طُوى ـ 12 طه) وفي سورة النازعات 16 (إذ ناداه ربه بالواد المقدَّس طُوى) وفي سورة المائدة 21(يا قوم ادخلوا الأرض المقدَّسة التي كتب الله لكم) أي جاء هذا الوصف للأرض المقدَّسة كما فسروها بأرض ـ فلسطين ـ فهذه ثلاث آيات قدَّست أماكن في الأرض التي شهدت نزول الوحي الإلهي المقدَّس، أي (الأرض المقدَّسة) المباركة الطاهرة طهارة معنوية، كما جاء الوصف للنبي موسى (ع) في سيناء، إنك بالوادي المقدَّس طوى، هنا سردنا الدليل على تقديس الأماكن، وما عدا ذلك من لفظة تقديس وردت في القرآن الكريم وهي كثيرة ومنحصرة في ذات الله تعالى وروح القدس... أما اليوم فأصبح هناك مداليل عديدة لمفهوم المقدَّس وهو ما تعارف عليه اليوم بين الناس هو (التعالي عن النقد) بحيث شمل الأشخاص في الدائرة الدينية، فأصبحوا لا يمكن نقدهم أو إبطال معطياتهم، مع أخذ العلم بأن الشريعة الإسلامية لا يوجد فيها تقديس لأشخاص،ولا يوجد نص بأمر تقديس أشخاص مهما بلغوا ومهما كانوا، نعم ورد أمر الطاعة لأولياء الله سبحانه وتعالى وأوصيائه الذين يأتمرون بأمر الله ويشرعون بإذنه تعالى، وحذَّرنا الله تعالى في كتابه من إتباع الأشخاص الذين لم يأمر سبحانه باتباعهم أو طاعتهم، كما في قوله تعالى:( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكَّرون/ الأعراف/ 3).
أقرا أيضا: إنه لبنان السلاَّح.....!
فالمقدَّس هو الله تعالى، والقرآن هو مقدَّس لأنه كلام الله تعالى، والأنبياء والرسل مقدَّسون لما يحملون من وحيٍ ورسالة ولأنهم معصومون من الخطأ التي لها طابع الطهارة والنزاهة، فالرسالة الإسلامية ليست عبادة الشخصية والأشخاص، لا ندري لماذا هجر المسلمون أرض سيناء، وحوَّلوا أماكن أخرى إلى التقديس بما لا دليل ولا نص عليه.