من الواضح أن البلد يعاني من تحديات بالغة التعقيد. وواقع الحال أن قضيتان متلازماتان باتتا كأولوياتان على جدول أعمال مجلس الوزراء.
الأول آني وملحّ، يتعلق بملف المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية، والتي تصر واشنطن عليها لإيجاد تسوية بشأن المنطقة النفطية المتنازع عليها بين الطرفين.
وتأتي زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، دايفيد ساترفيلد، إلى لبنان نهاية هذا الأسبوع، للمساهمة ربما في وضع هذه المفاوضات على السكة.
أما الملف الثاني الوثيق الارتباط بالأول، فيتعلق بالاستراتيجية الدفاعية اللبنانية التي من المتوقع أن تصبح مادة نقاش أساسية في المرحلة المقبلة. تتعثر النقاشات كما تنفض اجتماعات الحكومة من دون تسجيل تقدم في إقرار الموازنة وغيرها أو معالجة الاوضاع الضاغطة داخليًا وخارجيًا على وقع قرقعة السلاح الاميركي الذي يقترب من المنطقة، ويتصرف الوزراء كمن يترقب حصول أمر ما أو إنتظار وقوع مستجدات تعيد صياغة المشهد اللبناني.
إقرأ أيضًا: سـاترفيلد في بيروت لبحث الحدود البرية والبحرية
لم تخفف زيارة الموفد الاميركي ديفيد ساترفيلد وما سادها من اجواء ارتياح بين المسؤولين من وطأة حقيقة الضغط الاميركي المباشر على لبنان من زاوية ترسيم الحدود البحرية والبرية مع الكيان الاسرائيلي كما رفض عودة النازحين السوريين، تضاف اليها نية ادارة ترامب تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران و شمول لبنان بحزمة إجراءات متشددة والهدف المباشر من وراء كل ذلك ضرب حزب الله ومن خلفه ايران.
وفي هذا السياق تشير المعلومات انّ ساترفيلد الذي التقى المسؤولين اللبنانيين، حذّر بشدة وبوضوح من أنّ اي تحرك لـ»حزب الله» سوف يواجه بتحميل لبنان المسؤولية، مع كل ما يترتّب على الأمر من نتائج، سواء لجهة اي استهداف للمصالح الاميركية، أو بالنسبة لأي تحرك عسكري عبر الخط الازرق او في شبعا.
وتتحدث المعلومات انّ ساترفيلد اعتبر انّ المجتمع الدولي يتعامل مع تعهّد لبنان الالتزام بالنأي بالنفس، على محمل الجد. وحذّر من انّ اي خرق للنأي بالنفس سيلقى الرد المناسب.
في المعطى الداخلي، فإن سمة المرحلة الحالية تكمن في التعثر الحكومي الحاصل والارتباك في الاداء العام والمقرون مع فائض القوة عند وزير الخارجية جبران باسيل بما يتعدى كثيرا دوره كرجل العهد الاول على غرار أسلافه في العهود السابقة، من بين التفسيرات الكثيرة هناك من يربط السر بحاجة حزب الله تأمين الغطاء المحلي ربطًا بالاشتباك الاقليمي وإقتراب ساعة المواجهة، خصوصًا أن الادارة الاميركية تعلن صراحة اللجوء الى الخيار العسكري في وجه إيران، مع العلم أن حزب الله ينفرد عن الجميع في لبنان بإرتباط حسابته كما دوره ونفوذه خارج لبنان نحو فضاءات واسعة اما على المستوى الاقليمي، فيرتفع منسوب القلق بفعل الخط الاحمرالذي بلغه الغليان في الخليج العربي وحشد وزارة الدفاع الاميركية حاملات الطائرات والقاذفات الاستراتيجية في سيناريو مشابه الى حد التطابق مع ما حصل أثناء إجتياح العراق، و ضمن نفس السياق تضع ادارة ترامب اللمسات الاخيرة لصفقة القرن فلسطينيا، والتي مهدّت لها بنقل سفاراتها نحو القدس وضم الجولان للسيادة الاسرائيلية.
إقرأ أيضًا: الموازنة في شوطها الأخير والفرصة الأخيرة
وبالعودة الى الشأن اللبناني، ثمة خيط رفيع بين قدرة الاطراف السياسة تطبيق خيار النأي بالنفس وما بين احداث شرخ داخلي من الصعب التكهن بمدى اضراره على لبنان عند هبوب العواصف العاتية القادمة من الخليج وايران، وهذا ما يفسر الكثيرعن حالة الترقب السائدة محليًا، بما في ذلك الحديث السائد همسًا بأن لبنان يمر بمرحلة انتقالية و ثمة مخاطر جدية على كافة الاصعدة قبل استقرارالوضع.
اليوم المسؤولون في الدولة يهمسون ويوشوشون أن حل كل المشاكل والعقد العالقة بين لبنان وسوريا لا يمكن تجاوزها وإيجاد مخارج لها الا عبر طاولة حوار تجمع لمً شمل القيادات السياسية، والاتفاق في ما بينهم على تصور حلول عملانية وعملية لإعادة وضع لبنان على الخريطة العربية والدولية.
فالمواضيع الحساسة التي تربط لبنان بحلول المنطقة لاسيما ما يتعلق بمزارع شبعا ولبنانيتها تستلزم موقفًا واحدًا وموحدًا من كافة الاطراف اللبنانية من مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، والتي قد تفتح الباب على معطيات وحلول قديمة جديدة، ربما قد تصل في نهاية الامر الى الاعتراف الخطي من قبل سوريا بلبنانية المزارع، وتوثق رسميًا في الأمم المتحدة. وعندها يمكننا القول أن لبنان بدأ مراحله الاولى من حيث الخطوات العملية للترسيم، والتي قد تاخذ وقتا لابأس به، انما الامور اصبحت اكثر وضوحا وانقشاعا.