تنطلق القراءة من تحديد ثلاثة أسباب للقلق:
الأول، التوتر الأميركي الإيراني وصل إلى مستويات غير مسبوقة. والطرفان يبدوان وكأنهما دخلا طريقاً مزدحماً بالألغام.
الثاني، خطاب الحرب ضد إيران يواصل السير في مسار تصاعدي، لا يمكن حتى الآن، تحديد نقطة الذروة فيه، والتي قد تقود إلى حرب شاملة في لحظة غير محسوبة.
الثالث، العامل الإسرائيلي يعمل بكل طاقته لإضرام الحرب على إيران، مؤيَّداً من بعض العرب.
بحسب هذه القراءة، فإنّ ما جرى في الإمارات يشبه سنياريوهات أميركية سابقة، إذ على رغم من عدم وجود أيِّ مؤشر مباشر، حتى الآن، الى المسؤول عن «عمليات التخريب» في الفجيرة، إلّا انّ دونالد ترامب، وعلى طريقة سلفه جورج بوش، أطلق اتّهاماً شبه مباشر ضد إيران، حين قال إنها ستعاني من «مشكلة خطيرة» إذا قررت مهاجمة أيّ ناقلات نفط في الشرق الأوسط.
واضح من خلال ذلك أنّ التهمة جاهزة والمتهم أيضاً محدَّد عند الأميركيين، وهو إيران، والمطلوب في النهاية إخضاعها، والآن قد تكون اللحظة مؤاتية فهي تشعر بثقل العقوبات وحظر النفط، وهو امر ربما يستغلّه الأميركيون لوضع إيران امام خيارات صعبة بحيث تختار المفاوضات الدبلوماسية أو المواجهات المفتوحة.
أخطر ما في القراءة، هو تأكيد صاحبها أنّ طبول الحرب بدأت تقرع بقوة، والأميركيون كانوا أوّل المطبّلين، وبعض الأوساط الأميركية تحدث عن سيناريوهات حربية جاهزة تبدأ بعمليات عسكرية محدودة، ومن ثم توتير الوضع في الممرات المائية، وصولاً إلى إغلاق مضيق هرمز. فهذا ما تمّ الترويج له منذ أشهر في الولايات المتحدة، وثمّة خطوات تمهيدية كانت أبرزها اثنتان: الأولى، تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني منظمة إرهابية، في خطوة لم يجرؤ أيُّ رئيس أميركي سابق على اتّخاذها، بالنظر إلى تداعياتها الخطيرة المحتملة؛ والثانية إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أنّ الولايات المتحدة اتّخذت قراراً بنشر مجموعة الضربات الجوية، والتي تضم قاذفات «بي 52» بالقرب من إيران، علاوة على نشر نظام الدفاع الصاروخي باتريوت ونظام النقل البحري «أرلينغتون» في الشرق الأوسط.
تلفت القراءة إلى احتمال أن يكون هذا التوتير مندرِجاً في إطار «حرب نفسية». إلّا انّ الوقائع على الأرض تشي بخلاف ذلك:
الإعلام الأميركي كشف تسريبات تفيد بأنّ مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى أبلغوا جون بولتون بمؤامرة إيرانية مزعومة لمهاجمة أهداف أو حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج. (هنا يقول صاحب القراءة، إنّ قيام الإسرائيليين بتسليم ما يسمى بالمعلومات الاستخبارية، وتزامن ذلك مع الهجمات الغامضة، يجعل من الممكن توجيه أصابع الاتهام، بشكل أكثر منطقية، إلى إسرائيل، التي تمتلك الكثير من الأسباب لتنفيذ عملية أمنية على هذا القدر من الخطورة ومحاولة التغطية عليها بتقديم «معلومات زائفة» للأميركيين).
قبل أيام ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان قدّم خطة عسكرية الأسبوع الماضي لإرسال 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط في حال قيام إيران بمهاجمة القوات الأميركية أو في حال قررت تسريع تطوير برنامجها النووي.
هنا ينبري السؤال: هل هي الحرب؟
منطق الحرب متقدّم، وهو هدف تذهب إليه واشنطن بخطى متسارعة ضد عدوٍّ تعتبره شيطانياً. ولكن هذه الحرب تعترضها مطبّات:
أولها، انّ المناخ العام في الشرق الأوسط والعالم عموماً غيرُ مهيّأ لحرب أميركية جديدة، خصوصاً وانّ المجتمع الدولي لم يعد قادراً على إقناع نفسه بالذرائع الأميركية.
ثانيها، انّ غالبية دول الخليج تخشى من أيِّ حرب في المنطقة تجعل منها المستهدَف الأول بالصواريخ الإيرانية.
ثالثها، الهدف الاستراتيجي الوحيد للحرب على إيران هو إسقاط النظام، ما يعني أنّ الحديث سيدور حول حرب طويلة لا تريدها الولايات المتحدة بالنظر الى استنزافها وكلفتها المادية والبشرية.
رابعها، كشف الإعلام الأميركي أنّ متحمّسين في إدارة ترامب للحرب على إيران طرحوا القيام بهجوم جوّي متواكب مع هجوم برّيٍ انطلاقاً من الخليج. وأنّ بعض الخبراء العسكريين الأميركيين وجدوه طرحاً غبياً، وطرحوا تساؤلات كيف يمكن القيام بغزوٍ برّيٍ انطلاقاً من الخليج خصوصاً أن المسافة بين مضيق هرمز وطهران أكثر من 1200 كيلومتر. وإلى أيّ مدى يمكن تحييد الصواريخ الإيرانية القادرة على الوصول إلى أيّ هدف في الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل؟ وهل سيبقى حلفاءُ إيران في الشرق الأوسط ساكنين في حال سلكت الولايات المتحدة طريق الحرب؟
حتى الآن، يقول صاحب القراءة، يبدو أنّ ما يؤخّر الحريق في المنطقة هو شعور الجميع بأنهم سيخرجون منها خاسرين وبلا أرباح ولو رمزية. بالتالي فإنّ الذهاب إليها سيكون خياراً غبياً.. ولكنني بصراحة خائف من مغامرة جون بولتون.