بعد ثلاث عشرة جلسة، والحبل على الجرار تخللتها مناقشات وتقاذف مسؤوليات، وتراشق بالاتهامات، بات مع كل ذلك يصح القول بأن الحكومة حققت عدّة نجاحات أولها المحافظة على استمراريتها وثانيها تقليص حجم العجز من جيوب أصحاب الدخل المحدود من موظفي القطاع العام وغيرهم من موظفي المصالح المستقلة، اما النجاح الأكبر فكان ابتعادها عن الدخول إلى الجيوب المنفخة التي أوصلت الدولة إلى ما وصلت إليه اليوم من تردِّ اقتصادي وتفكك اجتماعي وارتفاع معدل الدين العام حتى وصلت الدولة إلى حافة الإفلاس باعتراف المسؤولين أنفسهم بعد اعتراف خبراء الصناديق الدولية كصندوق النقد الدولي وغيره الأمر الذي يضع هذه الحكومة في دائرة الاتهام بأنها تدفع بما فعلته بالدولة نحو مزيد من العجز المالي والاقتصادي وصولاً إلى الإفلاس الموعودة به في الأساس، وبذلك ينطبق عليها المثل الذي يقول جنت على نفسها براقش، والأصح ان نقول بأنها تتحمل مسؤولية كاملة عن استمرار ارتفاع الدين العام الذي قارب حتى الآن المائة مليار دولار أميركي بما يجعل عندئذ كل المعالجات الإصلاحية لا جدوى منها ولا نفع.
فالحكومة وإن اعتقدت أنها تجاوزت قطوع الإفلاس، ونجحت في تقليص أو تخفيض معدلات العجز في الموازنة إلى الحدود المقبولة دولياً، لكنها في المقابل أثبتت للرأي العام اللبناني انها تفتقر إلى خطة إصلاحية شاملة توفّر لها فرصة ذهبية لتقليص العجز في الخزينة العامة، ووضع الدولة على السكة الصحيحة الذي توصلها إلى بر الأمان.
والمقصود بالخطة الإصلاحية البحث عن المكامن الأساسية التي أدت إلى هذه الحالة من التردي العام، والتي أصبحت معروفة من الداخل والخارج، وهي تبدأ أولاً باستعادة الأموال المسروقة من خزينة الدولة والتي توزع حصصاً بين أركان الطبقة الحاكمة بدءاً من التهرب الضريبي الذي يحرم خزينة الدولة من عائدات تقدر بمليارات الدولارات مروراً بالاملاك العامة المحتلة أو المؤجرة بعائدات ضئيلة جداً إلى أصحاب النفوذ المحميين من هذه الطبقة والتفلت الجمركي وانتهاء بالاستنزاف المالي المستمر في قطاع الكهرباء، والذي وفقاً لمعلومات دولية لم تنجح الحكومة في وقفه أو التقليل من حجمه من خلال الخطة التي أقرت مؤخراً من قبل مجلس الوزراء والنواب والتي وصفت من جهات دولية حريصة على المساعدة لمنع الانهيار من خلال مساعدات وهبات مؤتمر «سيدر» بأنها لا تفي بالغرض المطلوب من لبنان تنفيذه سواء على صعيد إيقاف هذا النزف الآتي من هذا المرفأ، وسواه على مستوى وضع حدّ لتبادل المصالح بين أرباب السلطة العامة. وهذا معناه أن الحكومة التي تضم تقريباً كل القوى السياسية والمكونات الحزبية المؤثرة في الدولة استهدفت في الإجراءات التقشفية التي اتخذها مجلس الوزراء في جلساته المتعاقبة الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل سواء في القطاع العام، والمؤسسات المستقلة وتحاشت كل ما من شأنه ان يطال الطبقات التي ما زالت تتمتع بصلاحيات هدر المال العام واستخدامه لتحقيق مصالحها السياسية والانتخابية من دون أن تعطي أي اعتبار للتحرك الشعبي الواسع رفضاً لهذه السياسة التقشفية التي لا تتم إلا على حساب لقمة عيشه.