رحل البطريرك مار نصرالله صفير عن هذه الدنيا الفانية، بعد أن خدم رعيّته ورعاها خير رعاية، وأتمّ فضائله على الشعب اللبناني بأن أولى قضيّته الوطنية الشُّغل الشاغل والاهتمام الفائق، لا سيما بعد غرق لبنان في وحول الإحتلالات الاجنبية، فوقف وقفته التاريخية ضد الوجود العسكري السوري، وذلك بعد اندحار الاحتلال الإسرائيلي، هذا الوجود الذي بات مع مضيّ الزمن واستفحال الهيمنة احتلالاً مُموّهاً، ومُبرقعاً بشعارات المقاومة والممانعة، والحفاظ على أمن لبنان ونظامه.
نعم، وقف البطريرك صفير ضد "الاحتلال السوري" يوم كان هذا الموقف عملاً جهادياً مُقدّساً عزّ نظيرُه.
إقرأ أيضًا: ألف لاجئ فلسطيني ونازح سوري أفضل من مسؤول لبناني فاسد
ما حفظه وسيحفظه تاريخ لبنان لهذه القامة الرفيعة والغالية أنّه لم يتقلّب في متاهات السياسة وأحابيلها، ولم يُفرّط في سيادة الوطن، ولم يتزلّف لأحد، كبيراً كان أو صغيراً، لم يسع وراء مجدٍ شخصيّ أو مصلحة طارئة، لم يُتقن لغة التسويفات والتّبريرات، لم يعرف تدبيج الحُجج الواهية، لم يسع وراء "تضخيم" الأنصار والمُريدين، كان جريئاً في قرار تأييد وقف الحرب الأهلية عبر اتفاق الطائف أوائل تسعينيات القرن الماضي، كما كان جريئاً وأصيلاً في ريادته لمصالحة الجبل التاريخية أوائل القرن الحالي، لم نسمع يوماً عن سعيه لجمع التّبرعات لإنشاء ميتم أو إقامة مستشفى، أو مكتب خدمات، أو صندوق صدقات، لم يُنشئ جمعية خيرية لا "تتوخّى" الربح، لكنّها تجهد في الحصول على أموال الدولة المتهالكة، لم نسمع يوماً عن حشر أنفه في الصراعات الإقليمية المشتعلة حول وطنه، لم يًؤثر عنه عصبية طائفية أو مذهبية أو نزعة عرقية أو استعلائية أو استفزازية، رحل بسلام رجُل السلام كما أراد أن تكون نهاية سيرته المناضلة شديدة الشبه برسالة السيد المُخلّص فادي البشرية.
يهتف اللبنانيون اليوم عشية وداع البطريرك مار نصرالله صفير بصوتٍ واحد: نمْ قرير العين مُرتاح الضمير يا بطريرك الأمة جمعاء.