وإذ تشير ردود الفعل الخليجية والدولية على هذا الهجوم الى احتمال انزلاق الاوضاع في الخليج الى حرب، فإنّ أياً من الدول المعنية لم يوجّه اصابع الاتهام الى أي جهة، وذلك على رغم تصاعد لغة التهديد والوعيد بين واشنطن وحلفائها من جهة وطهران وحلفائها من جهة ثانية، في الوقت الذي سارعت ايران الى المطالبة بتشكيل لجنة لإجراء «تحقيق شفاف» استباقاً لأي اتهام يمكن ان يوجّه اليها والبناء عليه لشن حرب ضدها.
وأظهرت قراءة ديبلوماسية لهذا «الهجوم التخريبي» انه لن يتسبّب بنشوب حرب في المنطقة، على رغم من قرع البعض طبول الحرب هنا وتبادل التصعيد هناك، إلّا انّ ذلك لن يمنع حصول حوادث من هذا النوع بين حين وآخر.
ويرى أصحاب هذه القراءة الديبلوماسية انّ المنطقة ستبقى محكومة بلغة العقوبات والتهديد مثلما حصل العام الماضي، لأن لا أحد يريد الدخول في حرب، لا الولايات المتحدة الاميركية في هذا الوارد لأنها تطلق التهديد والوعيد ضد الايرانيين حيناً ثم تدعوهم الى الحوار حيناً آخر، فيما الايرانيون لا يبدو أنهم انتحاريون يريدون الذهاب الى الحرب ايضاً.
وبين الاميركي والايراني يجلس الروسي في الوسط، ما يدفع الولايات المتحدة الى مراجعة حساباتها قبل التفكير في اي حرب، اذ انها تخشى ان يفعل الروسي بها ما كانت فعلته بالاتحاد السوفياتي السابق في افغانستان، حيث أدخلت الاسلحة للمقاتلين المتشددين هناك ومَكّنتهم من خوض حرب انتهت بخروج السوفيات من تلك البلاد. ولذلك، فإنّ الرئيس دونالد ترامب سيظل يمارس لعبة التصعيد وتشديد العقوبات ومن ثم الدعوة الى الحوار في آن معاً.
علماً انّ الطلبات الاميركية من الايرانيين ليست من النوع الذي يمكنهم التسليم بها، إذ تطلب واشنطن منهم تغيير سياساتهم الداخلية والاقليمية والدولية ساعية الى إنشاء حلف «ناتو» عربي، قبل حلول موعد انتخابات الرئاسة الاميركية بعد سنة ونصف، حيث يطمح ترامب للفوز بولاية رئاسية ثانية.
وفي المقابل، تعمل طهران مع حلفائها على إحباط مشروع هذا «الناتو العربي»، مدركين انّ ترامب يهدف من كل ما يقوم به ضدهم وضد الدول الحليفة لهم الى تعزيز رصيده الانتخابي.
ولذلك، فإنّ طهران تحديداً توَطّن نفسها على الصمود في وجه العقوبات الأميركية الى حين حصول الانتخابات الاميركية، حيث تراهن على سقوط ترامب فيها وفوز منافسه الديموقراطي جو بايدن شريك الرئيس السابق باراك اوباما في الاتفاق النووي مع ايران، وتعتقد انها تستطيع التفاهم معه، على عكس ترامب الذي يلوّح بالحرب وفي الوقت نفسه يعلن رغبته التوصّل الى اتفاق معها ولكن بشروطه التي يرفضها الايرانيون رفضاً قاطعاً.
ولذلك، يرى أصحاب هذه القراءة الديبلوماسية انّ المنطقة دخلت في مرحلة شَد حبال ومناوشات محدودة في انتظار من سيفوز بالرئاسة الاميركية خريف 2020، ترامب الذي لن يكون الاتفاق بينه وبين ايران سهلاً، أم بايدن الذي تعتقد طهران انه يستطيع إعادة أيام أوباما معها؟ ولذلك، فإنّ المنطقة حتى ذلك الاستحقاق الرئاسي الاميركي ستكون محكومة بمرحلة من نزاع مضبوط لن يخلو من حصول حوادث، كمثل حادثة تخريب السفن في الخليج أو ما يشبهها.
فواشنطن ودول الخليج يستعجلون زوال النفوذ الايراني او تراجعه عن المنطقة، والإيرانيون في المقابل يُظهرون أنهم ليسوا مستعدين لخوض حرب في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي وصلوا إليها نتيجة العقوبات، ولكنّهم مع ذلك يعتقدون أنهم يستطيعون الصمود إقتصادياً ومالياً حتى الانتخابات الرئاسية الاميركية لعلّ بايدن يفوز بها حسبما يتوقعون ويطمحون، خصوصاً أنّ هناك مؤازرة ثلاثية صينية ـ روسية ـ تركية لهم تخفّف عنهم حدّة العقوبات وتحول دون وقف كل صادراتهم النفطية وغيرها.
أمّا على جبهة لبنان والمنطقة، فترى القراءة الديبلوماسية انّ اسرائيل لا يمكنها ان تخوض أي حرب في لبنان أو على الجبهة اللبنانية ـ السورية من دون الحصول على ضوء أخضر أميركي. فترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبادلان «الهدايا الانتخابية»، الأول أهدى الثاني «السيادة» على الجولان، وقبلها على القدس، وربما سيُهديه قريباً «السيادة» على الضفة الغربية.
وفي المقابل فإنّ ترامب يطلب من نتنياهو ان يهديه تأييد منظمة «الإيباك» في الانتخابات، إذ انّ اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة ينتمي الى الحزب الديموقراطي، وعلى نتنياهو ان يجتذب نصف هذا اللوبي او ثلثه على الاقل لتأييد ترامب، فضلاً عن تقديم الدعم المادي لحملته الانتخابية.
لكنّ اللافت انّ ترامب الذي أهدى نتنياهو «السيادة» على الجولان لم يتمكن من انتزاع موافقة دول العالم عليها، باستثناء غواتيمالا فقط. فلا الامم المتحدة ولا المجتمع الدولي أيّدا تلك «السيادة» على الجولان ولا على القدس او غيرها.
وعلى الأرجح انّ نتنياهو لن تكون لديه أي هدايا انتخابية غير «الايباك» لترامب، ولن يدخل في أي حرب على الجبهة اللبنانية ـ السورية، لأن ليس فيها مثل هذه الهدايا.