وقال روحاني إن حقبة الحرب العراقية الإيرانية لم تشهد قيودا على البنوك، ولا على صادرات النفط، باستثناء شراء السلاح، في اعتراف واضح بأن الأوضاع الاقتصادية الإيرانية تمر بأسوأ لحظاتها التاريخية.
ويعبّر الحكيم عن استغرابه من قدرة سلطنة عمان على القيام بوساطات كبيرة، فيما يتردد العراق عن التصدي لهذه الخطوة، مع حاجته الماسة إليها.
ويقول الحكيم إن 80 بالمئة من واردات العراق و90 بالمئة من صادراته النفطية، تأتي عبر مضيق هرمز، محذرا من أنّ تسبّب الحرب في إغلاق المضيق، قد يضع العراق وسط كارثة اقتصادية.
ويعتقد مراقبون أن الحكيم يحاول خطب ودّ إيران مجددا، بالحديث عن ضرورة توسط العراق لمنع تعرضها إلى حرب أميركية، بعدما أسفرت مفاوضات تشكيل حكومة عبدالمهدي عن خروجه خالي الوفاض منها.
وبالرغم من أن الحكيم يتزعم تحالف الإصلاح، الذي يضم العدد الأكبر من نواب البرلمان العراقي، إلا أن تيار الحكمة الذي يقوده، لم يحصل على أي حقيبة وزارية في حكومة عبدالمهدي، وحتى منصب أمين بغداد، الذي يضع عينه عليه، ما زال موضع تنافس من أطراف أخرى.
وتقول مصادر سياسية مطلعة إن الحكيم غاضب من حكومة عبدالمهدي، وربما يمعن في إحراجه أمام الإيرانيين، الذين يعرفون جيدا محدودية قدرة الحكومة العراقية على المناورة في هذا الملف.
ويطالب الحكيم حكومة عبدالمهدي بأن تغادر منطقة الوسط التي تقف فيها بين الولايات المتحدة وإيران، إلى منطقة التوسّط بينهما.
إلا أن الحكومة العراقية تمارس صمتا خوفا من أن تُحسب على طرف منهما، وهو ما لا يمكن أن تحمد عقباه. ولأن الحكيم يعرف أن تصريحاته لن تصل إلى طرفي الصراع وأن أحدا لن يأخذها على محمل الجدّ على الصعيد المحلي فإنه لا يرتجي شخصيا سوى أن يذكر القوى السياسية المشاركة في الحكومة بوجوده.
لكن كواليس السياسة في بغداد تشير إلى أن “أوان الوساطات ولّى فعليا في الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، ولو كانت ثمة فرصة لوساطة لاغتنمها العمانيون أو أن تتمكن قطر على الأقل من تجاوز الإحراج المصاحب لنشر القاذفات الاستراتيجية على أراضيها”، ما يشير إلى أن تصريحات الحكيم عن ضرورة الوساطة العراقية موجهة للاستهلاك الإعلامي فحسب.
وعلق الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف على كلام الحكيم بالقول “إما أن يكون الحكيم جاهلا بحيث أنه لا يدرك موقع العراق في الصراع بالسياسة وإما ماكرا إلى الدرجة التي تؤهله لتوريط الحكومة في مواجهة مفتوحة مع الميليشيات الموالية لإيران. وقد يكون الاثنان معا”.
ويحاول الحكيم ألا يبدو مدافعا عن النظام الإيراني، بالرغم من أنه يؤكد على “المسألة الإنسانية”، كما يصفها، التي تتعلق بـ”الأضرار البالغة التي لحقت بالشعب الإيراني المسلم الجار، جراء العقوبات الأميركية”، مع إشارته لحاجة هذا الملف إلى التركيز.
وقال يوسف في تصريح لـ”العرب”، “علاقة الحكيم كما هو معروف ليست جيدة لا بالحكومة العراقية ولا بالنظام الإيراني الذي أدار له ظهره منذ سنوات ولم يعد يعيره أي اهتمام. لذلك فإنه كمن يتعلق بوهم يسعى إلى أن يكون له حضور وسط قعقعة السلاح التي جعلت كل فكرة عن وساطة بين طرفي الصراع أمرا غير محتمل بسبب التزام كل طرف منهما بموقفه المتشدد”.
واعتبر يوسف أن الحكيم لم تعد له قيمة في المزاد السياسي العراقي المفتوح على المفاجآت بسبب الخوف مما يمكن أن يحدثه الصراع من اهتزازات على مستوى محلي.
ويتطابق موقف الحكيم مع موقف زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي حاول أن يكون متوازنا في تقييم التوتر الذي يخيم على المنطقة بسبب الخلافات الأميركية الإيرانية، إلا أنه مال إلى كفة طهران في النهاية.
ويقول المالكي إن “سياسة التهديد باستخدام القوة والأسلحة الاستراتيجية، ومحاولة فرض الإرادة والهيمنة بالقوة، ستدفع الأمن والاستقرار في المنطقة إلى حافة الانهيار”.
وبالرغم من أن المالكي يحمّل الولايات المتحدة مسؤولية التصعيد في المنطقة، إلا أنه لم يلجأ إلى لغة متشنجة في الحديث عنها، كما جرت العادة، وإن كان مقربون منه قد نقلوا حديثا مليئا بالتهديدات لواشنطن، أدلى به خلال جلسة إفطار سياسي خاصة.
وحذر المالكي من أن التصعيد العسكري يهدد بـ”اندلاع دورة جديدة من العنف الشامل، وبداية فصل من القتل والتدمير والخراب، في الوقت الذي تحتاج شعوب منطقتنا الحساسة إلى مزيد من الهدوء والاستقرار وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعاون المشترك”.
وقال إن “سياسة العبور على الالتزامات الدولية، وإعلان الحرب وفرض الحصار والمقاطعة التي تضر بالشعب الإيراني المسلم كما أضرت سابقا بالشعب العراقي، بعيدا عن ضوابط الشرعية الدولية ومؤسساتها تعني انهيار النظام العالمي القائم، وفقدانه لدوره وموقفه الأممي أمام سياسة الفوضى في العلاقات الدولية”.
وفضلا عن الحكيم والمالكي، يتلقى الإيرانيون، عبر وسائل الإعلام المختلفة، دعما أكثر صراحة من قيادات في الأجنحة السياسية للفصائل التي تشكل الحشد الشعبي.
ويقول النائب أحمد الأسدي رئيس كتلة “السند الوطني” البرلمانية، الذي يقود كتائب “جند الإمام” ضمن قوات الحشد الشعبي، إن الحصار الأميركي على إيران “مرفوض شعبيا ورسميا (في العراق)”، لأنه مخالف للقانون الدولي.
لكن الأسدي، عندما سئل عن موقف الحشد الشعبي في حال اندلع نزاع مسلح بين الولايات المتحدة وإيران، قال إن “الحشد الشعبي مؤسسة رسمية ملتزمة بقانون الدولة ولها قانون مصوت عليه داخل مجلس النواب وأي قرار لفصائل الحشد الشعبي سيكون منسجما مع الموقف العراقي ونابعا من المبادئ والأهداف التي تشكلت عليها هذه الفصائل”.
أما حركة عصائب أهل الحق، التي يتزعمها قيس الخزعلي، فقد وضعت العراق صراحة ضمن دول المواجهة مع الولايات المتحدة في حال هاجمت إيران.
وقال حسن سالم النائب في البرلمان العراقي عن الحركة إن “أي اعتداء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قبل أميركا هو اعتداء مباشر على الدول الإسلامية، بغض النظر عن مواقف بعض الدول العربية والإسلامية من إيران”.
وأضاف سالم أن “أميركا إذا ما حاولت الإقدام على إعلان الحرب على إيران فإنها ستقع في ورطة كبيرة وربما ستفقد هيمنتها على العالم كدولة عظمى”.
ووفقا لمراقبين، فإن هذه التصريحات العراقية “تعكس جهلا واضحا بحقيقة استعداد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى الذهاب بعيدا في ملف إيران”.
وتميل ردود فعل قادة الحشد الشعبي إلى التهدئة لمعرفتهم أن ميزان القوى في صراع بين قوتين متناحرتين هو أكبر من أن يكون للحشد الشعبي وجود فيه أو تأثير عليه. وهو موقف يتميز بكثير من التعقل الذي يكشف عن تحول في سلوك أولئك القادة بعد أن ذاقوا طعم السلطة وتمتعوا بمنافعها. وقد يشكل ذلك التحوّل فرصة بالنسبة للحكومة للتخلص من جزء من ضغوط الحشد الشعبي. وهو ما يمكن أن تشجع الولايات المتحدة عليه في المرحلة المقبلة.
ويقول عراقيون زاروا إيران مؤخرا إن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو وضع مماثل لمرحلة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق جراء غزو الكويت.
وقال هؤلاء إن معظم البضائع الكمالية تختفي من الأسواق الإيرانية، فيما تفقد عوائل عديدة صلتها باللحوم وبعض الفواكه والخضر.