ثلاث سنوات مرّت على الإنتخابات البلدية في لبنان كانت خلالها البلديات وأعمالها والمشاريع التي تنفذها محط أنظار الناس الذين يطالبون بقيام البلديات بالدور المطلوب منها، والذي أناطه بها قانون اللامركزية الإدارية حيث كانت البلدية بموجبه جمهورية مستقلة ضمن نطاقها الجغرافي، لها موازنتها الخاصة التي تنفقها على العمل الإنمائي.
يعود تاريخ العمل البلدي في لبنان إلى عام 1864 حيث تشكلت أول بلدية في دير القمر، ليتوالى بعدها إنشاء البلديات في مناطق مختلفة، وتشهد نهضة إدارية وتطويرية في عهد الإنتداب الفرنسي، إلاّ أنّ دور الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب كان الأبرز في نهضة العمل البلدي، حيث أقرّ قانون البلديات عام 1963، ثم وُضع قانون جديد أيضاً في عهد الرئيس الياس سركيس، وأُدخِلت تعديلات عدة على القانون كان آخرها عام 1997، ومشروع قانون قُدّم إلى مجلس النواب عام 2001 ولكنه لم يُقرّ.
أتاح قانون البلديات ضمن آليةٍ وضعها المشرّع إعادة طرح الثقة برئيس المجلس البلدي ونائبه في حال فشلهما في إدارة البلدية، وتبيّن أنّ إختيارهما لرئاسة السلطة التنفيذية كان خاطئاً، وذلك بعد ثلاث سنوات من انتخابهما، عبر عريضة يوقّعها ربع أعضاء المجلس البلدي. غير أنّ العادة جرت أن يتم تقاسم الرئاسة مناصفةَ بين العائلات والعشائر تحت سقف هذا البند القانوني، إضافةَ إلى دخول الأحزاب على خط الإتفاقات وتقسيم الولاية، عبر تقديم الرئيس استقالته من دون حاجة لعريضة، في حين وصل الأمر في بعض البلدات، وبرعاية حزبية، إلى تقاسم رئاسة البلدية بين ثلاثة أشخاص بمعدل سنتين لكل رئيس.
أكثر من 45 بلدية في البقاع تشهد هذه الأيام تغييراً للرئيس ونائبه، تحت رعاية «حزب الله» وحركة «أمل» اللذين خاضا تلك الإنتخابات في كثير من المناطق في مواجهة العائلات.
وفي حين أنّ السنوات الثلاث التي تُعطى لكل شخص لا تكفي لملء الثغرات وإنجاز ما يمكن إنجازه وتحقيق الإنماء في المناطق والبلدات والقرى، ناهيك عن الإحاطة بالقانون البلدي جيداً، أصبح هذا الأمر بحكم العرف في معظم البلدات والقرى حتى الكبرى منها، وتحول العمل الإنمائي عملاً رضائياً بين العائلات والأحزاب أيضاً.
ويقرّ «حزب الله» أنّ العمل الإنمائي الفعالّ يحتاج الى ست سنوات لكل رئيس بلدية، ولكن في المقابل، فإنّ تركيبة العائلات والعشائر تفرض نفسها في البقاع وكذلك تفرض تقاسم رئاسة البلدية وفق قوله، وهو دخل العمل البلدي من بابه العريض عبر إنشاء «جمعية العمل البلدي» في بنيته التنظيمية، والتي تتابع كل كبيرة وصغيرة على مستوى بلديات البقاع.
كذلك لا يمانع الحزب في تحديث قانون البلديات ليكون أكثر تماشياً مع تحديث الإدارة. وعلى رغم من كل ما يجري تواجه العائلات والأحزاب بعض المشكلات خلال إتمام إنتقال السلطة بين رئيس وآخر، فيتمسك البعض بالكرسي ويمتنع عن تقديم إستقالته، وهو ما حصل في إحدى البلدات ذات العائلة الواحدة، والتي نص الإتفاق بين أجباب العائلة على إنتقال الرئاسة من الرئيس الحالي إلى رئيس من جبٍ آخر، ما دفع أعضاء البلدية إلى تقديم عريضة بالرئيس الحالي لإزالته، في حين يمتنع الرئيس المنتهية ولايته عن حضور جلسات المجلس البلدي بعد تسلّم زميله ويخفي معه عدداً من الملفات، ويصل الأمر ببعضهم إلى إلغاء مشاريع لأنها لم تُنفذ خلال عهده.
اللقيس
رئيس بلدية بعلبك العميد حسين اللقيس الذي ينهي بعد أيام ولايته ويتسلّم خلفه من هو مُتفق عليه بموجب الإتفاق الذي يرعاه «حزب الله» في كل إنتخابات بلدية في المدينة، ويقسّم الرئاسة بين عائلات المدينة، يقول لـ«الجمهورية»، إنّ «دقّة الإنتخابات البلدية وحساسيتها، والظروف الإنتخابية البحتة وتأمين النجاح، تفرض مثل تلك التفاهمات المتعلقة بتقاسم رئاسة المجلس البلدي، والقانون البلدي يجيز بعد ثلاث سنوات إعادة طرح الثقة بالرئيس في حال كان الأداء غير جيد ومنتج».
ويشير اللقيس، «انّ للقانون سيئاته، حيث لا تتيح الثلاث سنوات للرئيس الجديد العمل بنحو أفضل. فدخوله في جو العمل البلدي والقانون يحتاج الى سنة، ومن بعدها ليبدأ التخطيط والتنفيذ، وهو ما يؤثر بنحو سلبي على العملية الإنمائية».
وعن ولايته في رئاسة المجلس البلدي لمدينة بعلبك، يقول اللقيس: «إنّ 30 في المئة من الخطة التي تمّ وضعها مسبقاً بالتعاون مع إتحاد بلديات بعلبك قد تحققت وهي على مدى خمسة عشر عاماً». مضيفاً، أنّ مشاريع عدة وضعت على سكة التنفيذ وتُستكمل مع الزملاء الجدد الذين سيتولون رئاسة المجلس البلدي».
وعن الإنجازات التي تحققت او هي قيد الإنجاز يقول: «إنّ ترميم السوق القديمة بدأ إعداد الدراسات التنفيذية في شأنه، على أن يبدأ العمل فعلياً اوائل 2020 ، كذلك هناك مشروع تنمية سياحية وخطة إستراتيجية لتنشيط السياحة في بعلبك، وتمّ تلزيم مشروع الصرف الصحي وتأهيل الطرق الرئيسية في المدينة، إضافة إلى حفر آبار لتغذية مياه الشفة وإيقاف الآبار التي تؤثر على حوض البياضة في محلة رأس العين، والأهم هو المخطط التوجيهي للمدينة كونها مركز محافظة لتشجيع السكن في مناطق معينة والحفاظ على الأراضي الزراعية والتخفيف من الضغط وسط المدينة، كذلك مشروع المواقف المدفوعة للتخفيف من زحمة السير». وختم اللقيس مؤكّداً، «أنّ تغيير رئيس البلدية لا يعني تغيّبه عن العمل، فهي سلسلة متكاملة للوصول إلى النتائج المرجوة».
لقد تحوّل العمل البلدي الذي يُتوخى منه الإنماء عملاً عائلياً، حيث تنتظر كل عائلة دورها في تسلّم مركز السلطة في البلدية، من دون الأخذ بمبدأ حاجات ومتطلبات القرى والمدن التي تمثلها، ناهيك عن الكفاية المفقودة في إدارة الشوؤن البلدية والإلمام بالقانون جيداً.