هل تدخل مناقشات جلسة مجلس الوزراء حول موازنة العام 2019 مرحلة القرارات المصيرية الحاسمة، في وقت تمتلئ فيه الشوارع والمقرات الرسمية بالتجمعات والتظاهرات والإعتصامات، في القطاعات المدنية والوظيفية، بما في ذلك العسكريين المتقاعدين؟
اليوم تقترب المناقشات من الرواتب والتقديمات والمساعدات وصناديق التعاضد، واليوم أيضاً، يعتصم أساتذة اللبنانية في حرم وزارة التربية والتعليم العالي في الأونيسكو.. ويخرج قدامى العسكريين إلى الشارع مع اعلامهم اللبنانية، رافضين المسّ بتقاعدهم، وحجم ما يتقاضونه من رواتب أو تقديمات.
حسناً، فعل مجلس الوزراء في الجلسة الثامنة، عندما وضع الرواتب والأجور جانباً، بانتظار مسار التخفيضات وحسابات الوفر في مجالات أخرى، مثل تخفيض مساهمة الدولة في كل الصناديق والمجالس كمجلس الإنماء والاعمار وصندوق المهجرين، ومجلس الجنوب، وصولاً إلى الهيئة العليا للإغاثة.
وفي ضوء ما ستسفر عنه قرارات الحكومة اليوم، التي لا تعبأ كثيراً بما يجري في الشارع، يتضح ما إذا كان ثمة قرار يتخذ بعقد جلسة بعد غد الأحد لإنجاز التخفيضات والتعديلات في الأرقام والأبواب، بما في ذلك دفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية إلى حدّ لا يقل عن 8٪ ولا يتجاوز الـ10٪، ويضخ مثل هذا الاجراء ما لا يقل عن مليار و200 مليون دولار أميركي لخزينة الدولة.
ولم يستبعد مصدر وزاري ان يجتمع الرئيس سعد الحريري مع كل من وزير الدفاع الياس أبو صعب ووزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن، للبحث في سلّة الاقتراحات المقدمة حول رواتب العسكريين في الأجهزة الأمنية كافة.
الجلسة الثامنة
ووفق مصادر وزارية، فإن ملامح مشروع موازنة 2019 بدأت ترتسم مع وصول المناقشات فيه إلى الأمتار الأخيرة، قبل اقراره في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء والمتوقعة مطلع الأسبوع المقبل، ومن ثم احالته إلى المجلس النيابي لدراسته وانجازه بصيغته النهائية في قانون. موضحة ان الملف بدأ يدخل في مرحلة حسّاسة بالتوازي مع عودة تحرك العسكريين المتقاعدين.
وخلال الجلسة الثامنة التي عقدت امس في السراي الحكومي برئاسة الرئيس سعد الحريري تركز النقاش حول ارقام موازنات الوزارات حيث كان هناك تخفيض ملموس له بحدود 20%، كما وضع بند الرواتب جانبا بإنتظار اقتراحات جديدة يقدمها الوزراء يمكنها ان تزيد الدخل وتقلص النفقات لا سيما ان التوجه العام هو بضرورة اجراء تخفيضات.
وكشفت المصادر الوزارية ان المجلس لم يناقش في الجلسة موضوع تخفيض رواتب السلطات العامة مع العلم ان هناك توجها ايجابيا على رغم معارضة بعض الوزراء.
واستبعد عدد من الوزراء ان تكون جلسة اليوم هي الجلسة ما قبل الاخيرة والتي من المقرر ان تعقد في قصر بعبدا، بعد ان كانت التوقعات تشير إلى أن جلسة اليوم ستكون الجلسة الحاسمة والاخيرة قبل الاقرار، مع العلم ان الرئيس الحريري يصر على الانتهاء من دراسة المشروع هذا الأسبوع، ولهذا تقرر تمديد الجلسات المفتوحة، بحيث تكون هناك جلسات يومي السبت والاحد، بحسب ما أعلن وزير الاعلام جمال الجراح.
وعلم انه تم الاتفاق على تخفيض مساهمات الدولة في كل الصناديق والمجالس كمجلس الانماء والاعمار، صندوق المهجرين، مجلس الجنوب، المجلس الاقتصادي الاجتماعي ومعهد البحوث العلمية والمجلس الاعلى للخصخصة و«اليسار» و«ايدال» و«الهيئة العليا للاغاثة»، نسبة 10 في المائة، فيما اقترح وزير الشؤون ريشار قيومجيان الغاء موازنة المجلس الاعلى اللبناني- السوري.
كما اوضحت المصادر ان مجلس الوزراء وافق على وقف الخطوط الهاتفية المجانية الموضوعة تحت ادارة المؤسسات العامة وهي بحدود 5000 الاف خط.
وذكرت مصادر وزارية ان البحث بمشروع الموازنة اصبح في نهاياته، وسيتابع المجلس البحث اليوم في هذه البنود، لا سيما رفع الضريبة على فوائد المصارف برغم إعتراض وزير الطاقة محمد شقير، فيما ايده وزراء «القوات اللبنانية» شرط ان تكون من ضمن سلة اصلاحات متكاملة. وتأجل البت بالبنود المعلقة مرة جديدة الى جلسة اليوم، خاصة بند التخفيضات للموظفين وللقطاعات العسكرية والامنية، بعدما يعود وزيرا الدفاع والداخلية بتقارير مفصلة عن التخفيضات التي اقترحتها قيادتا الاسلاك.
وأعلنت وزيرة الداخلية، ريّا الحسن، ان كل ما سيتقرر بالنسبة للمؤسسة العسكرية سينطبق على القوى الأمنية، فيما قال وزير الدفاع الياس بوصعب ان تقريره بشأن التخفضات للعسكريين بات جاهزاً، وتوقع عرضه في جلسة الجمعة بعد الانتهاء من مداولات ما زالت مستمرة داخل وزارة الدفاع.
وطرح وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي وائل أبو فاعور واكرم شهيب رفع ضريبة الدخل على المداخيل لما فوق 250 مليون ليرة من 25 الى 30 في المائة، ووقف المنح التعليمية والتقديمات للموظفين او وضع سقف محدّد لها، لكن لم يمر الاقتراحان. كماطرحا زيادة التخمينات على رسوم مخالفات الاملاك البحرية، وتم الاتفاق على زيادتها لكن من دون ان تدخل هذه الرسوم في متن الموازنة على ان تصدر بمرسوم خاص كما نص القانون على ذلك.
وافيد ان اقتراح وزير الاقتصاد منصور بطيش فرض رسم بقيمة 3 في المائة على البضائع المستوردة مطروح للبحث من مدة ولم يطرح في جلسة الامس خلافا لما تردد، ولم يتم نقاش الموضوع وتُرِك للجلسات اللاحقة.
ولخص مصدر وزاري ل «اللواء» جو النقاش بأنه «تركز على موضوع موازنات الوزارات ليس إلاّ، ولا صحة لما تردد في الاعلام عن اقرار بندالضريبة على الودائع او غيره، فكل المواضيع الخلافية لم تُطرح للبحث جديا وتفصيليا، ولم يُتخذ اي قرار، باستثناء بحث نفقات الوزارات والاتفاق على ان يعد كل وزير جدولا بالتخفيضات الممكنة في وزارته للوصول الى خفض بقيمة 1200 مليار ليرة. وهذا امر تقني بحت ولذلك طال النقاش فيه الى جانب بحث قضايا تقنية اخرى مثل تخفيضات بعض موازنات المجالس والمؤسسات الخاصة والتقديمات ومساهمات الدولة في الهيئات والمجالس والجمعيات».
اضاف: اتفقنا على ان تكون هناك نظرة شاملة للموازنة وان تتخذ القرارات بالتخفيضات كسلة شاملة،إما يتم التوافق عليها وإما يجري تعديل او الغاء بعض البنود، وهذا سيتقرر في اليومين المقبلين، لكن النقاشات موضوعية وتقنية واصبحنا قريبين من الانتهاء من الموازنة.
خطة عسكرية لتخفيض النفقات
وعلى هامش مداولات مجلس الوزراء، لفت الانتباه، موقف لقائد الجيش العماد جوزف عون، عشية استئناف المتعاقدين العسكريين تحركهم، عبر تنفيذ اعتصام مفتوح في ساحة رياض الصلح اليوم، حيث اعتبر ان الاستثمار في الأمن هو استثمار في الاقتصاد، وغمز من قناة المطالبين بإلغاء التدبير رقم 3، مشيرا إلى «اننا لن نحبط ممن أطلق المواقف المساندة لنا خلال المعارك ليعود ويسحب عند المساس بحقوق العسكريين وعائلاتهم، متعهداً الحفاظ على كل الإنجازات المعمدة بالدماء بقدر الحرص على الحقوق كجزء يسير يحاولون سلبنا اياه اليوم».
وذكرت معلومات ان قيادة الجيش وضعت خطة لاجراء تخفيضات في النفقات تلحظ تخفيض عدد العمداء في الجيش إلى نحو 130 عميداً فقط من أصل 300، وانها سعت مثل العام الماضي في تحقيق وفر في موازنة الدفاع يصل إلى حدود 20 في المائة، الا ان الخطة لا تلحظ وقف تطويع العسكريين والضباط بحسب ما يقترح مشروع الموازنة، أو تأخير التسريح ثلاث سنوات، لأن ذلك من شأنه ان يجعل الجيش جيشاً هرماً.
وعلى صعيد التحركات النقابية المتصلة بالموازنة، أعلنت نقابة موظفي مصرف لبنان تأجيل الجمعية العمومية التي كانت حددت اليوم إلى موعد لاحق إلى حين تبيان الأمور النهائية، في ضوء المعطيات الإيجابية التي تبلغها من الحاكم رياض سلامة، وهذا يعني استمرار تعليق إضراب الموظفين، كمبادرة إيجابية، في حين أعلن موظفو الضمان الاجتماعي عودتهم إلى الإضراب اليوم ملوحين بخطوات تحذيرية ابتداء من الاثنين، في ضوء ما سيصدر عن مجلس الوزراء.
ويسرى الأمر نفسه على القضاة، حيث استمر بعضهم في الاعتكاف عن حضور الجلسات، بينما واصل قضاة آخرون عملهم، انسجاماً مع دعوة المجلس الأعلى للقضاء.
حزب الله
وفي المواقف أكدت كتلة «الوفاء للمقاومة» «ان الاجراءات المطلوبة للحد من الازمة المالية الخانقة،وانقاذ البلاد من تداعياتها تتطلب من الحكومة اتخاذ خطواتٍ جادة للاصلاح المالي والاقتصادي، ومكافحة الفساد والحد من الهدر ووقف التهرب الضريبي والانفاق غير المجدي كما تتطلب من المصارف ان تتحمل مسؤوليتها الوطنية وتسهم بدور وازن في خفض العجز، وتحقيق مصلحتها في اطار المصلحة الوطنية للبلاد».
واعتبرت في بيان صادر بعد اجتماعها الدوري بمقرها في حارة حريك برئاسة النائب محمد رعد «ان الانجاز المهم الذي تمثل في اعادة تكوين الحسابات المالية العامة للدولة, يجب ان يكتمل بالتدقيق المحاسبي في ديوان المحاسبة, وذلك قبل مناقشة موازنة العام 2019.»
ورأت الكتلة «ان اقتصار التدقيق الآن على قطع حساب العام 2017 لن يجيب عن الاسئلة المطروحة بل لا بد من انجاز التدقيق بدءاً من حسابات العام 1997 وصولاً الى العام 2017».
أفكار لترسيم الحدود البحرية
وفي شأن سياسي آخر، زارت السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد أمس كلا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا والرئيس نبيه برّي في عين التينة، ووفقا لمعلومات رسمية فإن الرئيس عون سلم السفيرة ريتشارد أفكاراً تتعلق بآلية عمل يُمكن اعتمادها لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وأكّد لها برّي موقف عون، مشيرا إلى ان الموقف موحد بين اللبنانيين حول ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.
وعلم ان الأفكار التي طرحها الرئيس عون، تمّ الاتفاق عليها في لقائهم الأخير في بعبدا، عند بحث هذا الموضوع، باعتباره صيغة معقولة لتحريك الملف.
وفيما لم يكشف أي مصدر طبيعة هذه الأفكار، قالت مصادر مطلعة لـ «اللواء» انها تأخذ في الاعتبار الأسباب التي أدّت إلى تعثر المفاوضات سابقاً، والتي قادها يومذاك الديبلوماسي الأميركي باتريك هوف وتوصل فيها إلى رسم خط لم يوافق عليه لبنان، وتقترح الأفكار بدائل ضمن الثوابت الوطنية المتفق عليها بين أركان الدولة والتي تحفظ السيادة والاستقلال وحق لبنان باستثمار ثروته من النفط والغاز.
وصلة المنصورية
في هذا الوقت، استمرت المساعي التي يتولاها البطريرك الماروني بشارة الراعي لإيجاد حل لقضية مد خطوط التوتر العالي في المنصورية، حيث واصل الأهالي اعتصامهم لليوم الثالث على التوالي رفضاً لمد هذه الخطوط نظراً لتأثيراتها على صحتهم، الا ان هذه المساعي لم تتوصل إلى حل يرضى الأهالي الذين يصرّون على ان تكون هذه الخطوط تحت الأرض، في حين تعتبر وزيرة الطاقة ندى البستاني ان خطر الخطوط تحت الأرض أكثر من خطرها فوقها، واقترحت حلاً وحيداً يقضي بشراء الدولة لمنازل الأهالي في المنصورية- عين سعادة، والواقعة بين عامودي التوتر العالي 9 و2، ويبلغ عدد هذه الشقق 58 شقة. غير ان الأهالي رفضوا هذا الحل، فيما رفضت الوزيرة البستاني اقتراح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل تشكيل لجنة حيادية من خبراء الجامعتين اليسوعية والأميركية، وبطبيعة الحال لم يتوصل الإجماع الذي رعاه البطريرك الراعي وجمع الوزيرة بستاني والنائبين الجميل والياس حنكش ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، إلى نتيجة، بما يعني بقاء خطة الكهرباء بمد الخطوط امراً واقعاً.
وأوضح البيان الذي تلاه المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض ان المجتمعين شجبوا ما حصل أمس (الاول) من تصادم عنفي بين القوى الأمنية وأهالي المنصورية، واجمعوا على ضرورة ايقافه فوراً، مشيراً إلى ان المشاركين اطلعوا على ملف الدراسات لدى وزارة الطاقة والتي اجريت منذ أكثر من 15 سنة وكانت ملاحظات واستيضاحات في شأنها، الأمر الذي يقتضي مراجعة السلطات المعنية من أجل إيجاد يخرج يساهم في متابعة تنفيذ الخطة الموضوعة للكهرباء لصالح كل اللبنانيين، وفي الوقت عينه ينزع هواجس السكان المعنيين ويجنبهم الضرر الصحي الذي يتخوفون منه.
وأشار غياض إلى انه «لا يُمكن وقف خطة الكهرباء، لأن هذا شأن عام اتخذ فيه قرار في مجلس الوزراء».
طعن بخطة الكهرباء
وفي تطوّر متصل بخطة الكهرباء، نجح حزب الكتائب في تقديم طعن بقانون الكهرباء امام المجلس الدستوري بعد الحصول على تواقيع 10 نواب يمثلون نواب الكتائب الثلاثة، بالإضافة إلى النواب: مروان حمادة «اللقاء الديموقراطي» نقولا نحاس، وعلي درويش (كتلة الرئيس نجيب ميقاتي)، بولا يعقوبيان، اسامة سعد، فيصل كرامي وجهاد الصمد (اللقاء التشاوري).
وأوضح الجميل ان «الطعن ليس بخطة الكهرباء وهو لا يوقفها، بل بالقانون الذي اعفى الدولة أو الحكومة من تطبيق القانون، وإذا قبل المجلس الدستوري الطعن يكون بذلك يلزم الحكومة بتطبيق القوانين وتحديد أي قانون هو الاطار الناظم لعمليات التلزيم بشكل يضمن الشفافية وان يكون التلزيم بطريقة صحيحة.
وكشف الجميل أن «عدد النواب كان يمكن ان يكون أكثر من 10، إلا أن قانون المجلس الدستوري يلزمنا بعشرة تواقيع فقط».
واستند الطعن الذي تألف من 18 صفحة إلى 7 مخالفات دستورية، وطلب النواب الطاعنون من المجلس الدستوري اتخاذ القرار فوراً بوقف تنفيذ مفعول القانون المطعون فيه جزئيا أو كليا إلى حين البت بمراجعة الطعن في الأساس عملا بأحكام المادة 34 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، منعا للوقوع في حالة اللااستقرار القانوني التي تؤثر بشكل سلبي على مجريات مناقصات الكهرباء وعلى الانتظام القانوني والمالي للدولة.
يُشار إلى ان امام الدستوري مهلة شهر للبت بقبول الطعن أو رفضه، وأعلن رئيسه القاضي عصام سليمان انه سيعين مقررا يوم الجمعة المقبل لدرس الطعن تمهيداً لتقديم تقريره في شأنه.