خيرالله خيرالله لـِ لبنان الجديد: لعبة التذاكي ترتدّ على ايران
لطالما إستخدمت إيران لعبة التذاكي طويلًا وعَرِفَت كيف تستغلّ كلّ الأخطاء التي إرتكبها الآخرون، خصوصًا صدّام حُسَين في مرحلة مُعيّنة والإدارات الأميركيّة المُتلاحقة في كلّ المراحل. من جيمي كارتر، اإلى باراك أوباما، مرورا برونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الإبن.
وفي حديثٍ خاصّ مع موقع "لبنان الجديد"، رأى الكاتب والمُحلّل الصحفي، الأستاذ خيرالله خيرالله، أنّ السياسة القائمة على لعبة التذاكي لم تَعد تجدي.
واعتبر خير الله أنّ هناك الآن جديدًا على صعيدين، الأوّل أنّ في واشنطن إدارة جديدة تعلمُ تمامًا ما هي "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي قامت في 1979 والآخر أنّ أوروبا لا تستطيعُ أن تفعل شيئًا لـِ إيران.
وأشار إلى أنّ أوروبا في موقع العاجز في ظلّ ما تُعاني منه دولها من مُشكلاتٍ داخليّة من جهّة وفي ظلّ خوف الشركات الكبيرة فيها من أيّ تلويح أميركيّ بفرض عقوبات عليها من جهة أخرى، وقال:"لعلّ أكثر ما تعرفه الإدارة الأميركيّة الحاليّة أنّ إيران تتعامل مع الآخرين عن طريق أدواتها الخارجيّة، أيّ الميليشيات المذهبيّة التي صنعتها.
تكمن قوّة هذه الإدارة، أقلّه نظريًّا، في رفض التفريق بين هذه الميليشيات، على رأسها "حزب الله" في لبنان من جهة وايران، من جهة أخرى، على حدّ رأي خيرالله.
وتابع:"هناك إدارة تعرف أنّ لا وجود لـِ شيء إاسمه "حزب الله" في لبنان أو "عصائب أهل الحقّ"، وحتّى ما يُسمّى "الحشد الشعبي" كلّه في العراق، من دون إيران"، مُعتبرًا أنّ "مثل هذا النوع من الميليشيات جزء لا يتجزّأ من "الحرس الثوري" الإيراني، الجسم الذي بات يتحكّم بكلّ مفاصل السلطة في ما يُعرف بإيران – الجمهوريّة الإسلاميّة".
وعن هدف زيارة بومبيو لـِ بغداد، أجاب:"ليست الزيارة المفاجئة لوزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو لـِ بغداد سوى تعبير عن مدى الإستيعاب الإميركي لِطريقة عمل الإدارة الايرانيّة وكيفيّة إستخدامها لأدواتها، لاسيّما في العراق. تُريد الإدارة معرفة من يحكم العراق ويتحكّم به".
وتسأل خيرالله:"هل "الحشد الشعبي" أم عادل عبد المهدي، الرجل المُتردّد، الذي لم يستطع اإستكمال تشكيل حكومته حتّى الآن لأسباب إيرانيّة أوّلًا وأخيرًا؟"
وأوضح خيرالله:" تأكّد سقوط سياسة التذاكي عندما إعتقدَت إيران أنّ العالم كلّه على شاكلة إدارة باراك أوباما الذي إختزل مشاكل الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني. لم يَعُد مهمًّا إلتزام إيران بنود الاتفاق في شأن ملفّها النووي الموقع صيف العام 2015 مع مجموعة الخمسة زائدًا واحدًا. لم يعد مُهمًّا أن تقول هذه الدولة الأوروبيّة أو تلك أنّها حريصة على المُحافظة على الإتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. لم يعد مُهمّا أن تُهدّد إيران بأنّها لم تعُد مُلتزمة بنود الإتفاق. لا يُقدّم ولا يؤخر في شيء أن تخرُج إيران عن بنود الإتفاق. لم يُعد الإتفاق كلّه سلعة تصلح للمساومة والإبتزاز. هناك شروط وضعتها الولايات المُتحدة. عدد هذه الشروط 12 وفي أساسها عودة إيران دولة طبيعيّة".
وتابع:"لم تقل إدارة ترامب انهّا تريد اسقاط النظام الايراني، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هل ايران قادرة علي تنفيذ هذه الشروط والجلوس الى طاولة المفاوضات، بمعنى ان تعود دولة طبيعية، مثلها أي دولة من دول العالم الثالث او الرابع او الخامس..."
ورأى خيرالله خلال المُقابلة، "المهمّ أن تقتنع إيران بأنّ الملفّ النووي لم يعد بضاعة تصلح لأي مُساومة أو إبتزاز من أيّ نوع ما دام الموضوع الأساسي المطروح في مكانٍ آخر. هذا المكان هو السلوك الإيراني خارج الحدود الإيرانيّة، بما في ذلك الصواريخ الباليستيّة التي تسعى إيران إلى تطويرها، وهي صواريخ معروفة المصدر، إذ تأتي، في مُعظمها، من كوريا الشماليّة".
وشدّد خير الله على "أنّ الإدارة الأميركيّة تعرف أنّ لا فارق بين إيران وميليشياتها وأنّ اللّعبة التي تُمارسها إيران منذ العام 1979 صارت مكشوفة. صارت مكشوفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. على سبيل المثال، تُهدّد ايران في اليمن بإغلاق مضيق باب المندب الإستراتيجي عبر ميليشيا الحوثيين المسمّاة "انصار الله". وتهدد من سوريا ولبنان بشن حرب على إسرائيل عبر "حزب الله" وميليشيات أخرى، على غرار الحرب التي شهدتها غزّة أخيرًا عن طريق إستخدام "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزّة المغلوب على أمره".
وإن كانت هذه السياسة أو الإستراتجيّة تخوّف أميركا، أجاب خير الله:" هذه اللّعبة تقوم على تخويف أميركا عبر آخرين. سبق لإيران أن حقّقت نجاحات باهرة عبر هذا الأسلوب الذي جعل الأميركيّين يخرجون من لبنان في 1984 بعد فترة قصيرة من تفجير مقرّ المارينز قرب مطار بيروت في الثالث والعشرين من تشرين الأوّل 1983. هناك امثلة كثيرة على نجاح ايران في جعل الإدارة الاميركيّة تُعيد النظر في حساباتها. يبقى العراق المكان الذي مارست فيه لعبتها المفضّلة هذه وأجبرت الأميركيّين على الإنسحاب منه عسكريًّا وسياسيًّا، وإن بشكلٍ غير تامّ، في العام 2010".
ولدى سؤالنا عن تحرّك إيران مع إقتراب ساعة الحقيقة، ردّ:" على الأكيد أنّها ستستمرّ في الإتكال على أدواتها في المنطقة، خصوصًا أنّها تعرفُ تمامًا أنّها عاجزة عن الدخول في مواجهة عسكريّة مباشرة مع الأميركيّين. ليس ما يُشير إلى أنّ هذه الأدوات ستكون قادرة على تلبية مطالبها. الدليل على ذلك أنّ النظام السوري يسعى منذ فترة طويلة إلى تمرير رسائل طمأنة إلى إسرائيل. فحوى الرسائل أنّه غير مسؤول عن أيّ مواجهة عسكريّة محتملة وأنّ لدى إيران حسابات خاصّة بها في هذا المجال تختلف عن حساباته".
وختم خير الله المُقابلة، بالقول:"ما يبدو طبيعيًّا هو إدراك أنّ اللّعبة تبدّلت وأنّ التذاكي لم يعد ينفع. لكنّ السؤال كم من الخسائر ستلحق بالإيرانيّين وبدول المنطقة قبل الوصول إلى مرحلة تواجه فيها ايران الواقع؟ الواقع يقول أنّ الإقتصاد أهمّ من أيّ شيء آخر وانّه يصنع قوّة الدول في المدى الطويل... بينما التذاكي لا يُمكن إلّا أن يرتدّ على أصحابه في مرحلة معيّنة".