لازالت الحكومة غارقة في نقاشات بنود الموازنة الأساسية من دون أن تتوصّل القوى السياسية إلى توافق حولها، نظراً لاختلاف وجهات النظر بينها حول الإجراءات الواجب اعتمادها إن كان بالنسبة لمساهمة المصارف في خفض العجز أوبالنسبة لمكامن تخفيض الانفاق، ونظراً لمترتّباتها المالية والإقتصادية الإجتماعية، لكن يبدو أن مقاربة الخطوط الساخنة باتت بحكم تحصيل الحاصل بعدما تقرّر الخوض في البنود الساخنة بدل المضي في تضييع الوقت في البنود العادية.
لذلك إن النقاش سيأخذ مداه وبهدوء في الملفات التي تتعلّق برواتب وتعويضات ومستحقات الموظفين، والمتعلقة أيضاً بموضوع مساهمة المصارف، علماً أن المطروح حول إخضاع مصرف لبنان المركزي لوصاية أو سلطة أو مرجعية وزارة المال أمر دونه عقبات وصعوبات قانونية وسياسية كثيرة تجعل من الصعب جداً تحقيقه، وفي حين يرى البعض أن العامل الضاغط على الحكومة بسبب الاضرابات والتحرّكات النقابية والقطاعية، قد يكون عاملاً معجّلاً في اتّخاذ القرارات حول تخفيض عجز الموازنة، يرى بعض آخر أن الضغط الآن في غير محله لأنه لا يُعبّر عن حقيقة التوجّهات والنقاشات الدقيقة الجارية لكل بند بسيط أو كبير وأساسي وأن المطلوب الهدوء ليستمرّ النقاش حتى اتّخاذ القرارات وحينئذ يُمكن لكل الاتحادات والنقابات والهيئات أن تمارس حقّها الاعتراضي.
إقرأ أيضًا: هل أصبح القطاع المصرفي مهددًا؟
كما أن رقابة الدول المانحة والصناديق الدولية على لبنان في هذه الأيام لمعرفة التوجّهات التي ستتّخذها الحكومة والتزامها بالمطلوب منها لخفض العجز ووضع سياسة مالية وإدارية جديدة للدولة، تشكّل عاملاً آخر من عوامل الضغط على الحكومة، نظراً للالتزامات التي تعهّدت بها في مؤتمر "سيدر" للحصول على الدعم المالي المطلوب للنهوض بالاقتصاد والمشاريع الاستثمارية ولذلك يقول أحد الوزراء إن المهمّ في إقرار الموازنة، أن تؤمّن للبنان استعادة الثقة الدولية باقتصاده، عبر إعادة هيكلة إدارات الدولة والإصلاح الإداري والمالي والقضائي والنقدي، إنها معادلة صعبة أمام الحكومة حيث أنها مضّطرة للمواءمة بين متطلّبات الإصلاح الواسع المطلوب دولياً، وبين تأثيراته على وضع الموظفين والمواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وحيث تفيد مسودة مشروع الموازنة أنها ستمدّ اليد إلى جيوب المواطنين بالتخفيضات لرواتب الموظفين ومعاشات التقاعد، وبفرض بعض الزيادات في الضرائب والرسوم غير المباشرة كضريبة القيمة المضافة وزيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية وغيرها الكثير.
إقرأ ايضًا: تصفير النفط دخل حيز التنفيذ.. هل سيكون لبنان صندوق بريد؟!
فكيف ستنجو الحكومة من سندان الشعب ومطرقة الدول المانحة؟ وفي هذا السياق كشفت مصادر مصرفية رفيعةعن أن لا مساهمات من المصارف في خزينة الدولة ما دامت الإصلاحات لم تُنفّذ، لأن المصارف ليست مستعدة لوضع الأموال في دلو مثقوب في إشارة الى غياب الاصلاحات، موضحةً أننا لم نتلق أي اتصال من الجهات السياسية الرسمية في هذا الخصوص كما أكدت أنه حين تُنفّذ الحكومة الإصلاحات كما تعهّدت بها، فإن المصارف ستطلع بدورها ومسؤوليتها كاملة تجاه الدولة وماليتها العامة، موضحة أن كل التدابير التي اتخذتها الحكومة حتى اليوم غير كافية، إذ أن مشروع الموازنة والإصلاحات والتخفيضات الواردة فيه، تبقى حلاً ناقصاً لأن المطلوب إجراء عملية جراحية، وبالتالي لم يعد العلاج بالمسكّنات يُفيد و شددت على أن تطبيق الإصلاحات كفيل بخفض الفوائد، ما يؤدي إلى خفض الدين العام إلى ذلك، رأت تلك المصادر المصرفية أن.
القطاع المصرفي يغذي خزينة الدولة اللبنانية سنوياً بمبلغ يفوق 2 مليار و600 مليون دولار من الرسوم والضرائب على اختلافها، بمعنى أن القطاع يسدّد للدولة ما عليه من رسوم وضرائب، وهذا الأمر موثّق.