فجأة غابت لغة تبادل الاتهامات بين أركان الحكومة التي غلبت في الجلستين الاوليين التي خصصهما مجلس الوزراء لدرس مشروع قانون الموازنة العامة، وسادت في الجلسات الأخرى لغة الهدوء والتفاهم على إقرار البنود التقشفية الواردة في المشروع للتدليل على ان الحكومة متوافقة ومتفقة في ما بين أعضائها الذين يحملون تصورات ورؤى مختلفة حول الموازنة التي يجب ان تحقق شيئاً من التوازن بين الصادرات والواردات بما يُمكّن الدولة من الاستمرار على ذات التخبط السائد منذ عشرات السنين وأوصل الوضع الاقتصادي والمالي إلى تلك الحالة المزرية التي وصل إليها اليوم، مما استدعى العديد من الدول الحريصة على هذا البلد ان تدق جرس الانذار في وجه أرباب السلطة الحاكمة، مطالبة إياها وضع خطة متكاملة للانقاذ قبل فوات الأوان ودخول لبنان في حالة الإفلاس.
لكن جميع الذين رافقوا الخطوات التي اتخذتها الحكومة في الموازنة العامة لتدارك خطر الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي أيضاً يعترفون بأن الحكومة لم تدخل في اجراءاتها التي اتخذتها في صلب الأزمة التي يمر بها لبنان وهي الإصلاح الشامل في هيكلية الدولة بما يؤدي إلى خفض العجز من جهة وإلى تحفيز الاقتصاد من جهة ثانية كخطوة لا بدّ منها ولا مفر للانتقال تدريجياً من حالة العجز الى مرحلة النمو، وهذا يقتضي أوّل ما يقتضي استعادة المال الذي نهب من خزينة الدولة واوصلها إلى حافة الإفلاس، وهذا المال موجود في جيب أرباب السلطة الحاكمة وليس في أي مكان الآخر، واستعادته وحده كافية لإنعاش الوضع الاقتصادي وتحفيز النمو وخفض العجز المتمادي والذي تجاوز الحدود المسموح بها دولياً، وذلك بالتزامن مع خطة محكمة لاجتثاث دابر الفساد المستشري في كل دوائر الدولة ومرافقها العامة من جذوره، وقطع اليد التي تمتد لأموال الدولة على حساب الشعب الذي يدفع الضرائب التي تذهب هدراً، ولا تعود عليه بالنفع كما تفعل الدول التي تحترم نفسها وتحترم شعبها.
ما سُرِّب عن مناقشات الوزراء في الجلسات التي عقدت حتى الآن لدرس وإقرار الموازنة يؤكد ان غياب مثل هذه الخطة عنهم تماماً، وكل التركيز على اجتراح الحلول اللازمة التي تمر بها الدولة من جيب ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين لا يتوفر لهم حتى لقمة العيش ولو كانت مغمسة بالدم على حدّ المثل اللبناني المعروف، متناسين كل الوعود التي قطعت لهذا الشعب بأن التقشف لن يكون على حساب لقمة عيشهم بل يطال الطبقة الغنية التي استباحت الدولة ونهبت أموالها كما يقول رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل في رده على أولئك الذين يسألون عن كيفية خفض عجز الموازنة ما لم تتخذ الحكومة قرارات تقشفية موجعة تطال الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل،كما تطال الطبقات الغنية والمرتفعة الدخل في القطاع العام.
ان الطريقة المعتمدة من الحكومة لخفض العجز في الموازنة أو لتخفيف الإصلاحات الضرورية ليست هي الطريقة المثلى التي تؤدي إلى الغاية المرجوة بقدر ما تؤدي حتماً إلى انتفاضة الشعب اللبناني لإسقاط هذه الطغمة الحاكمة التي اوصلته إلى هذه الحالة المزرية.