عُقدت بالأمس في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع بيروت ندوة تاريخية حول: لبنان - زمن الحملة المصرية ١٨٣١-١٨٤٠، حاضر فيها كلٌّ من الدكتور خالد زيادة والدكتور ميشال أبي فاضل، وادارها الدكتور بطرس لبكي، بحضور عددٍ من الباحثين والمهتمين.
بدأ الندوة د.ابي فاضل، فتحدّث عن أهمية ما أُنجز من جهود بيبلوغرافية وتوثيقية لتأريخ الحقبة العثمانية أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر الذي شهد الحملة المصرية على بلاد الشام ومن ضمنها جبل لبنان، والتي قادها محمد علي باشا من مصر، في محاولاته التّوسُع نحو هذه البلاد.
أسهب الباحث - المؤرخ أبو فاضل في الحديث عن "أرشفة" أحداث هذه الحملة المصرية ومُساهماته في ذلك، مُفصّلاً أهمية العودة للأرشيف الفرنسي (على وقع حملة نابوليون على مصر عام ١٧٩٨)، كذلك عن أهمية كلٍّ من الأرشيف الأسباني والنمساوي والمصري (الذي اعتنى به المؤرخ أسد رستم)، ثمّ تحدث عن أهمية أرشيف العائلات اللبنانية، خاصةً تلك التي تركت بصماتها في حياة اللبنانيين: أرشيف الشهابيين وأرشيف آل الخازن وآل أبي اللمع، كذلك أرشيف المحاكم الشرعية، مع غيرها من الوثائق والدراسات التي أعدّها عددٌ من طلبة الماجستير والدكتوراه، وتوقف الدكتور أبي فاضل عند جهوده الشخصية وجهود آخرين في توثيق هذه المرحلة من تاريخ لبنان وأثرها على تاريخه الحديث.
إقرأ ايضًا: جنبلاط الأمين على روح اتفاقية سايكس - بيكو
في القسم الثاني من الندوة تحدّث الدكتور خالد زيادة عن تجربة محمد علي باشا في مصر، وطموحاته التوسعية نحو بلاد الشام، فتوقّف عند "شخصية" محمد علي باشا المّعيّن من قِبل السلطان العثماني كوالٍ على مصر، وذكر د.زيادة بعض الأمثلة على ذلك، فقد لبّى محمد علي باشا نداء السلطان محمود الثاني للمشاركة في حروب السلطنة مع اليونان عام ١٨٢٤، كذلك قام بالقضاء على الدولة السعودية الأولى عام ١٨١١، ومع ذلك فقد أدخل بعض التعديلات الجوهرية في علاقة مصر بالأنظمة العثمانية حين ألغى نظام " الإلتزام" الذي كان سائداً في سائر ولايات السلطنة العثمانية، كذلك اهتمام محمد علي باشا بالجيش المصري في نطاق عمليات التحديث التي أعقبت حملة نابوليون، وفي سبيل ذلك كانت البعثات العلمية نحو أوروبا.
لعلّ أهم ما توقّف عندها الدكتور خالد زيادة هي طموحات محمد علي باشا التّوسّعية نحو بلاد الشام واصطدامه بالسلطنة العثمانية، والتي كانت ترى في هذه الطموحات تهديداً مباشراً للسيطرة العثمانية على بلاد الشام، ممّا اضطره في نهاية المطاف للانكفاء وتلاشي أحلامه بقيام امبراطورية مصرية تصل المشرق العربي بمغربه، ولاحظ الدكتور خالد زيادة أنّ محاولات البعض تحميل مشاريع محمد علي عقائد وحدوية عربية، هي محاولات عقيمة غير ذات جدوى، ومحمد علي ليس عربياً بالأصل، فهو بولوني بدأ حياته في خدمة السلطنة العثمانية كوالٍ على مصر.
في ختام الندوة تحدث عددٌ من المهتمين بهذه الحقبة من تاريخ الحملة المصرية على بلاد الشام ومن ضمنها جبل لبنان، وعقّب الباحثان أبي فاضل وزيادة على بعض النقاط المُثارة توضيحاً وتصويباً.
ندوة فكرية وتاريخية في زمن التّمزقات السياسية والحروب العبثية التي تعصف في بلاد الشام هذه الأيام الحالكة.