لم يسبق للعلاقة بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الله» أن مرّت بمرحلة من الجمود تقترب من القطيعة وبقرار من جانب واحد اتخذه الحزب من دون سابق إنذار. وكان ذلك في أعقاب القرار الذي أصدره وزير الصناعة وائل أبو فاعور (اللقاء الديمقراطي) بوقف التمديد لمصنع الإسمنت الذي يملكه آل فتوش في خراج بلدة عين دارة (قضاء عاليه)، بعد أن انتهى مفعول التمديد الذي كان أصدره سلفه الوزير السابق حسين الحاج حسن (حزب الله).
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية مواكبة للمسار الذي آلت إليه علاقة «حزب الله» و«التقدمي»، أن الأخير أحاط قيادة الحزب علماً بوجود رغبة لدى رئيس «التقدمي» وليد جنبلاط بلقاء المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله»؛ حسين خليل، للتشاور في المستجدات السياسية وللبحث في تطوير العلاقة بين الحزبين.
ولفتت المصادر السياسية المواكبة إلى أن رغبة جنبلاط نُقلت إلى خليل الذي تأخّر في إعطاء جواب مع أنه أُبلغ بأن رئيس «التقدّمي» حاضر للقائه في أي وقت شرط تحديد الموعد. وكشفت المصادر عن أن مسؤولين في «التقدمي» ممن يتولّون التنسيق مع «حزب الله» حاولوا مراراً الاتصال بخليل لمعرفة ما إذا كان هناك عائق أمام عقد اللقاء، إلى أن تبيّن لاحقاً أن قرار أبو فاعور بعدم التمديد لمصنع الإسمنت ألحق إهانة شخصية بقيادة «حزب الله» وبجمهوره وبالوزير الحاج حسن بذريعة أنه من غير المقبول إلغاء قرار صدر عن الأخير. وقالت المصادر إن «التقدّمي» فوجئ بقرار «حزب الله» الذي أُبلغ به من خليل، وفحواه أنه جمّد علاقته به، مع أن أبو فاعور حاول قبل انتهاء مهلة التمديد لمصنع الإسمنت التواصل مع المعنيين في الحزب لوضعهم في مضمون الملاحظات التي وضعها على أن يؤخذ بها تمهيداً لتمديد المهلة للمصنع لمواصلة أعماله كالمعتاد... وسألت المصادر نفسها عن الأسباب الكامنة وراء الموقف السلبي الذي اتخذه «حزب الله» مع أنه لا خلفية سياسية وراء إلغاء التمديد لمصنع آل فتّوش الذين تربطهم علاقة جيدة بالنظام السوري وبعدد من الأطراف المنتمية إلى «محور الممانعة» في لبنان، خصوصاً أنه جرى التمديد لمصنع الإسمنت الذي يملكه شخص من آل الموسوي في بلدة جنتا البقاعية.
كما سألت هذه المصادر كيف أن «حزب الله» اتخذ قراره بتجميد علاقته بـ«التقدّمي» احتجاجاً على عدم التمديد لمصنع آل فتوش بذريعة أنه ألغى قراراً كان اتخذه الوزير الحاج حسن، مع أن الأخير أصدر في السابق قراراً بإقفال منشار لقطع الصخور في بلدة كيفون في عاليه تجاوباً مع إصرار مجلس بلديتها على إقفاله، وعاد وتمنى على خلفه أبو فاعور أن يعود عن هذا القرار.
لذلك؛ فإن المشكلة، كما تقول المصادر المواكبة، ليست في إلغاء قرار لوزير كان هو نفسه قد طلب من خلفه أبو فاعور السماح لمصنع في كيفون بأن يستأنف استخراج الصخور وقطعها.
وقالت المصادر إنه لم تمضِ أيام على قرار «حزب الله» بتجميد علاقته بـ«التقدّمي» حتى اتصل مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا بالوزير أبو فاعور في محاولة قد لا تكون لإعادة التواصل بين الطرفين، واقترح بأن يُعقد لقاء في مكتب خليل في الضاحية الجنوبية، علما بأن التواصل بينهما لم ينقطع حتى في أشدّ محطات الخلاف باستثناء الفترة الزمنية التي أعقبت حوادث «7» و«8 أيار» (أيار) 2018، وما خلّفته من تداعيات في الجبل.
وأكدت أنه جرى التداول في العرض الذي قدّمه صفا للوزير أبو فاعور وكان جواب «التقدّمي» أنه إذا كان الأمر يتعلق بوزارة الصناعة فليعقد اللقاء في مكتب أو في منزل الوزير. أما إذا كان له طابع سياسي للبحث في العلاقة الثنائية بين الطرفين، فإن «التقدّمي» على استعداد لاستضافته، خصوصاً أن ما حدث غير مقبول... «ومع ذلك لم ننجرّ إلى الحملات الإعلامية والسياسية بالواسطة التي شُنّت على قيادتنا».
وهكذا لم يعقد اللقاء، مما فتح الباب أمام أكثر من سؤال حول ما إذا كان مصنع آل فتوش هو السبب وراء قرار «حزب الله» تجميد علاقته بـ«التقدمي» أم إن هناك أسباباً خفية، تتصل مباشرة بالمحاولات الرامية إلى محاصرة جنبلاط في الجبل؟ خصوصاً أن قرار التجميد مهّد الطريق أمام فتح النار على «التقدّمي» من معظم حلفاء «حزب الله» باستثناء رئيس المجلس النيابي نبيه بري و«تيار المردة» بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية.
فالهجوم غير المسبوق الذي يستهدف حالياً جنبلاط يراد منه - كما تقول المصادر المواكبة - الاستجابة لـ«أمر عمليات» صادر عن النظام السوري رغم أنه لم يسبق لـ«حزب الله» أن أقحم نفسه في حملات سابقة ضد «التقدمي» وكان كل ما يهمه من الأخير تحييد إيران وعدم شمولها في الهجوم على الرئيس بشار الأسد.
ومع أن البعض ممن ينتمي إلى «محور الممانعة» يحاول الآن أن يوحي بأن علاقة جنبلاط مع الرئيس بري ليست على ما يرام، لكن تبيّن أن ما يُروَّج له لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وأن الأبواب بينهما ما زالت مفتوحة، وأن التواصل قائم كلما دعت الحاجة. وعليه؛ فإن الحصار على جنبلاط بدأ يأخذ أشكالاً، وإن «حزب الله» لا يقحم نفسه مباشرة فيه، بل يتناغم مع الذين ينظّمون هذه الحملات، في محاولة للّعب في «البيت الدرزي» ومنع جنبلاط من أن يكون بيضة القبّان في المعادلة الداخلية.
وفي هذا السياق، يحاول من هم في «محور الممانعة» تلميع صورة النائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهّاب وتقديمهما على أنهما شركاء في التعيينات وأن زمن احتكار جنبلاط لمعظمها قد ولّى.
كما لا يمكن تحييد «التيار الوطني الحر» عن الدور الذي يلعبه في هذا المجال سواء من خلال رعايته الحملات التي تستهدف إقفال «مصنع سبلين للترابة»، أو تبنّيه طلبات خصوم جنبلاط، إضافة إلى الموقف الذي صدر مؤخراً عن وزير المهجّرين غسان عطا الله وفيه أن المسيحيين لا يرتاحون لتمضية الليل في بيوتهم في الجبل، وأيضاً عن الوزير جبران باسيل على هامش تعزيز لقاءات المصالحة في دير القمر، خصوصاً لجهة قوله إنه سيضع أكاليل من الورد على أضرحة الذين سقطوا في حوادث 1840.
ولهذا تسأل المصادر: ألا تؤدي كل هذه المواقف التحريضية إلى تأليب المسيحيين ضد جنبلاط، وبالتالي كيف يسمح «الرئيس القوي»، في إشارة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، باستمرار هذه الحملات من جانب واحد، فهل تخدم الاستقرار وتدفع في اتجاه تحصين الوضع الداخلي؟