إذا رغب العراقيون في أن تكون إيران نموذجهم لبناء دولتهم في المستقبل، فلا أحد سيمنعهم من القيام بذلك. إنه خيارهم المستقل.
ولكنّ شيئا من ذلك لا يمكن توقع حدوثه. ذلك لأن العراق، وهو جار لإيران، كان دائما على خلاف معها. لم يكن صدام حسين قد اخترع أسباب ذلك الخلاف. العراقيون لا يميلون في مزاجهم أصلا إلى القبول بولاية إيران عليهم.
حتى في التشيّع فإن العقيدة العراقية هي غير العقيدة الإيرانية. ولطالما كان العراقيون حذرين في التعامل مع الإيرانيين.
في المقابل فإن الإيرانيين لا يخفون تعاليهم على العراقيين. هناك اعتقاد لديهم بأن أصل التشيّع إيراني وهناك عقدة إيرانية من أن أصل التشيّع عراقي.
حرب أصولية لا محل لها في العصر الحديث. إيران اليوم هي في حقيقتها كذبة شيعية.
فإذا كان التشيّع مذهبا دينيا فإن إيران تسعى إلى استغلاله من أجل التمهيد لتمدّدها السياسي باعتبارها دولة، وهو ما يعني أنها تستعمل التشيع سياسيا على حساب العراق الذي يؤمن شيعته بوجوده دولة وتاريخا.
تستثمر إيران تشيّعها في خدمة مشروعها السياسي.
وهو ما يعني أن الآخر، غير الإيراني، سيخرج خاسرا في أي علاقة يقيمها معها. العراقيون في تلك الحالة سيخسرون وطنهم من أجل كذبة، يُراد من خلالها استعبادهم باعتبارهم شيعة.
تلك فكرة تتناقض مع حقيقتهم المعاصرة. فهم مواطنون عراقيون وليسوا رعايا شيعة. ولأنهم لا يؤمنون بمبدأ الولي الفقيه فإنهم سيكونون خارج القوس. بمعنى أنهم لن يحظوا بأي نوع من الاهتمام إذا ما هيمنت إيران على بلدهم.
الولاية الدينية الإيرانية هي في حقيقتها احتلال يُراد من خلالها وضع الشيعة العراقيين في إطار التبعية المذلة لدولة أجنبية، وهو ما يتناقض مع حقائق التاريخ والجغرافيا.
ما لا تفهمه إيران أن شيعة العراق الذين حاربوها في ثمانينات القرن العشرين لم يكن لديهم شك في عدالة القضية التي يقاتلون من أجلها. ولو كان لديهم قدر ضئيل من ذلك الشك لانهارت الجبهة العراقية. لقد قاتلوها مستندين إلى الوطنية العراقية.
وإذا كانت تلك الوطنية غائبة لدى أتباعها من منتسبي الأحزاب الطائفية التي أشرفت على تأسيسها وقامت بتمويلها، فإن ذلك لا يمثل حقيقة الشيعة في العراق.
فالعراقيون الشيعة يعرفون، جيدا، أن عروبتهم هي أساس هوّيتهم. ذلك لأن العقيدة الدينية وبالأخص إذا تم تداولها من منظور طائفي ستفقدهم خصوصيتهم وعناصر بنيتهم الحضارية التي تعود إلى آلاف السنين، فهم عرب أولا. أما المذاهب فهي نتاج حيويتهم الفكرية. هم صنّاعها ولن يكونوا خدمها مثلما يرغب الإيرانيون. لذلك فإن فكرة أن تكون شيعيا لا تتناقض مع حقيقة انتمائك العربي.
العراق ضروري للعرب. وهو ما يدركه الإيرانيون ويحاولون الحيلولة بينه وبين أن يستمر قانون حياة بالنسبة للعراقيين.
لن يكون التشيع سببا مقنعا لكي يقطع العراقيون جذورهم، ويسلموا قيادتهم لمَن لا تزال عقد التاريخ قد صنعت لديه شعورا بالنقص، في مواجهة حقيقة أن الإسلام بدأ عربيا.
لذلك فإن عراقا إيرانيا لن يرى النور في يوم من الأيام.
صحيح أن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة بعد قيامها بغزو العراق في العام 2003 قد أدت إلى نتائج كارثية، من بينها تسليم الحكم في العراق لأحزاب تعود بمرجعيتها إلى السلطة الدينية الحاكمة في إيران.
وصحيح أيضا أن الطائفية السياسية سعت عن طريق الفساد أن تلحق المجتمع العراقي بها، غير أن هناك فجوة هائلة لا يمكن إنكار وجودها بين أن يكون المرء شيعيا عراقيا، وبين القبول بأن يكون العراق إيرانيا.
ما يؤكد ذلك أن العراقيين صاروا ينتظرون بفارغ الصبر أن تبدأ الولايات المتحدة في حصار إيران كليّا بما يؤدي إلى إغلاق الحدود العراقية معها.
حينها فقط سيظهر وجه العراق الحقيقي. ويومها سيعبّر شيعة العراق عن حقيقة انتمائهم العربي.