انفجر الخلاف بين وزير المال علي حسن خليل، ووزير الخارجية جبران باسيل، على خلفية بعض بنود الموازنة. والخلاف في حقيقته يتخطى مسألة إدراج طريق القديسين ومرفأ جونية من ضمن الموازنة. إذ أعلن باسيل، بموقف تصعيدي، بأنه سيعرقل كل الاستحقاقات الأخرى في البلاد، إذا لم يُدرج هذان البندان ضمن مشروع الموازنة. ليسارع وزير المال بالرد عليه، معتبراً أن البندين مدرجين، بمعزل عن ما تطرحه ماكينة التحريض.
بالنسبة إلى خليل، فإن تصريح باسيل لا يخرج عن سياق المعركة الشعبوية، التي يسعى إلى طرحها دوماً. وهي التي تُكسبه جمهوراً داخل الشارع المسيحي. فحتى في الملف المالي، يريد باسيل أن يطرح عناوين شعبية للاستثمار بها سياسياً، بمعزل عن الأرقام والحقائق. بعض الوزراء لاقوا خليل بموقفه، معتبرين أن بعض من يسعون خلف الشعبوية، يطلقون مواقف وراء الكواليس مناقضة للمواقف العلنية.
الرد السريع
لكن هذا الخلاف الذي يتخذ طابعاً سياسياً، لا ينفصل عن الخلاف الحقيقي حول أسس مشروع الموازنة، خصوصاً أن وزير الاقتصاد منصور بطيش قدّم عرضاً في جلسة الحكومة عن اقتراحات التيار الوطني الحرّ للموازنة. وجاء هذا العرض لينسف بشكل مباشر وغير مباشر خطّة وزير المال. وأساس الخلاف كان قد بدأ منذ فترة، وتحديداً عندما أطلق الوزير باسيل موقفاً سلبياً حول الإجراءات التقشفية الضرورية لتوفير بعض الأعباء، والتي قد تطال رواتب الموظفين أو المتقاعدين. حينها، اعتبرت مصادر وزير المال أن باسيل يهدف إلى ضرب الموازنة بمهدها، وتحميل مسؤولية الإجراءات القاسية أو التقشفية فيها إلى وزير المال فقط. ما استدعى ردّاً سريعاً من خليل بأن كل البنود التي قيل أنها أدرجت في الموازنة، من أجل تأمين الوفر المالي، والتي قد تطال بعض الاقتطاعات من التعويضات أو المستحقات المالية للموظفين أو العسكريين، لم تدرج أصلاً. وما أدرج منها أو ما يشبهها، لم يكن بمعزل عن الاتفاق مع كل القوى السياسية.
تقاذف المسؤولية
رفض خليل تحميله مسؤولية الموازنة، بشخصه أو كفريق سياسي (حركة أمل). وهو كان استبق إنجاز مشروعه، بجولات ولقاءات عديدة على كل القوى السياسية والفاعلة والمقررة، من أجل إنجاز المشروع وإحالته على طاولة مجلس الوزراء للبتّ فيه. وبينما كان باسيل أول المعلنين عن الإجراءات القاسية، عاد وتراجع عن موقفه، خصوصاً بعد مواقف العسكريين منها، وموقف رئيس الجمهورية ميشال عون البارز برفضه المس برواتب وتعويضات العسكريين والموظفين. وانتقلت عملية تحميل المسؤولية إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، بوصفه مدافعاً عن المصارف، ورافضاً لفرض ضرائب على فوائد الودائع المصرفية.
ومع تعاظم مشكلة العسكريين المتقاعدين وتحركهم في الشارع، أخذ الرئيس نبيه برّي المبادرة تجاه رئيس الجمهورية وقيادة الجيش، حسب ما تكشف مصادر متابعة، معتبرة أن برّي يعمل على إيجاد حلّ وصيغة لتجنّب التصعيد، ولتلافي الإجراءات التي قد تطال الرواتب والتعويضات. في المقابل، تكشف معلومات أخرى، بأن النقاش الذي يدور داخل جلسات الحكومة، المخصصة لبحث الموازنة، يتركز على إعادة طرح تغييرات جوهرية عديدة في مشروع هذه الموازنة. وهذه خطوة ذكية أقدم عليها خليل. فهو يعلم أنه بحال عدم مناقشة المشروع، وإدخال تعديلات عليه على طاولة مجلس الوزراء، فستلقى مسؤولية النسخة الأخيرة من المشروع على عاتقه.
تحرير سعر الدولار؟
وحسب ما تشير المعلومات، فإن مشروع الموازنة كما هو مقدّم، لا يلبي الطموحات المالية المرغوبة أو الضرورية. وبالتالي، لا بد من توسيع الإجراءات الهادفة لتوفير الموارد المالية. وهذا لا يزال بعيداً من التناول، وربما متروك لمرحلة لاحقة، قد تقود إلى احتمال من إثنين، إما فرض ضرائب على المصارف، أو على فوائد الودائع المصرفية، وإلزام المصارف بتقديم قروض ميسّرة للدولة بفائدة صفر أو واحد بالمئة. وهذا من المستحيل أن توافق عليه المصارف. والاحتمال الثاني، هو رفع الضريبة على القيمة المضافة، أو زيادة ثلاثة بالمئة من نسبة الضريبة على المواد الاستهلاكية. لكن ذلك سيؤدي إلى تأثر كل شرائح المجتمع اللبناني. وتنتقد بعض المصادر كل هذه المشاريع، بدلاً من فرض ضريبة تصاعدية، وتعزيز منطق الجباية، ووقف الإعفاءات على الرسوم الجمركية، وفتح ملف الأملاك البحرية. ثمة من يعتبر أن النقاش الدائر، لا يخرج عن إطار الضغوط بين مختلف القوى على بعضها البعض، والذي قد يتوج لاحقاً بضغط من نوع آخر على غرار تحرير سعر الدولار، إنطلاقاً من مبدأ الاقتصاد الحر. وهذا يؤدي حتماً إلى تخفيض الرواتب بشكل مباشر وبنسبة مرتفعة، من دون أن يتم تحميل المسؤولية لأي طرف.. إذا لم يتم إيجاد حلّ يتوافق عليه الجميع.