تشخص الأنظار في هذه المرحلة باتجاهين: الاتجاه الاول يتمثل بمشروع الموازنة الذي اصبح على طاولة مجلس الوزراء مصحوبًا باعتصامات للمتقاعدين العسكريين المرتابين بمضامينه، ومثلهم النقابات العمالية بمناسبة الأول من أيار عيد العمال، والاتجاه الثاني المواجهة الساخنة بين وليد جنبلاط وحزب الله على خلفية اتهام جنبلاط للحزب بالسعي لمحاصرته سياسيًا، ومن ثم الرد على ذلك بنفيه لبنانية مزارع شبعا، التي تحتلها إسرائيل، ومن ثم اسقاطها كمبرر لوجود السلاح بيد حزب الله في لبنان تحت شعار مقاومة الإحتلال كما لا تخفي الأوساط السياسية القلق من أن يُفْضي الضغطُ المتصاعد على خط واشنطن طهران أو لجوء اسرائيل إلى ضرباتٍ خاطفة وموْضعية ضدّ أهداف للحزب في لبنان على غرار ما يحدث في سورية، إلى خياراتٍ غير محسوبة في سياق إما تخفيف الضغط أو توجيه رسائل، يمكن أن تنزلق معها الأمور إلى صِداماتٍ متفلّتة من الضوابط.
وفي هذا السياق اصبح من الواضح أن البحر الأبيض المتوسط تحوّل إلى ساحة عرض عضلات للسفن الحربية وحاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات من قبل الأميركيين، بينما يبرز خبر توجه زورق حربي إيراني باتجاه الشواطئ الليبية.
إقرأ أيضًا: الموازنة بانتظار غطاء سياسي!
وما بين عرض العضلات هذا واشتداد الضغوط، يأتي اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، فيختتم أسبوع التطورات هذا بإطلالة بعد خمس سنوات على الغياب لزعيم تنظيم داعش أبو بكر الغدادي. كل التطورات توحي بأن التصعيد مقبل على المنطقة، خصوصاً بعد إعلان مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنير عن إمكانية إعلان صفقة القرن بعد شهر رمضان المبارك، ويأتي ذلك في ظل اشتداد الضغوط على إيران، التي تلوّح بمنع مرور ناقلات النفط، إذا لم يسمح بتصدير النفط الإيراني. ما يعني أن النبرة التصاعدية بين واشنطن وطهران تتزايد، ولا بد لها أن ترتبط بجملة ملفات في المنطقة من بينها الملفين اللبناني والسوري.
تحاول واشنطن في إطار ضغوطها على إيران، أن تستقطب روسيا إلى جانبها، إنطلاقاً من المصلحة الإستراتيجية لموسكو بأن تكون صاحبة النفوذ الأوحد على الساحة السورية، وكذلك تفرض واشنطن ضغوطاً على موسكو لاستقطابها في مواجهة طريق الحرير الصيني، والذي أيضاً لا بد ان يكون مرتبطاً بكل الملفات ببعضها البعض.
من يتطلع إلى هذه التطورات بنظرة بعيدة الأفق، لا بد له أن يستشرف آفاق المرحلة المقبلة وما يحتويها من تصعيد في مكان وتنازلات في أمكنة أخرى، وما قد ينجم عنها من تبدّل في الخرائط ومناطق النفوذ، لا سيما في ظل الدور الذي تطمح موسكو لأن تلعبه ليس في سوريا فقط بل في لبنان أيضاً عبر ترسيم الحدود البرية والبحرية جنوباً وشمالاً، ربطاً بملف النفط. واولى بوادر الدخول الروسي إلى هذا المجال كانت مع مشاركة الشركات الروسية في عمليات التنقيب عن النفط في لبنان، وهذا يستدعي الوصول إلى تسوية بين الحدود اللبنانية والأراضي المحتلة.
إقرأ أيضًا: العلاقة بين جنبلاط وحزب الله هل وصلت الى اللاعودة؟
وبعدها جاءت التطورات في الجولان السوري المحتل، وما قد يستتبع بتداعيات تنسحب على بعض الأراضي اللبنانية، وهنا مكمن الخوف من لعبة الأمم. وسط كل هذه التطورات، يعيش لبنان يعيش حالة قلق وترقب مالياً، على مشارف البحث في إقرار الموازنة التي من المفترض أن تكون تقشفية، وفيها جوانب إصلاحية، لكن حتى الآن لا بوادر إيجابية تلوح في الأفق، خصوصاً مع التداعي من قبل جهات متعددة للنزول إلى الشارع والخروج بتظاهرات واعتصامات وقطع للطرقات، للدفاع عن الرواتب والمخصصات والمستحقات.
وفيما ينشغل لبنان بهذه القضايا يبدو أنه محاصربالضغوط المتعددة سواء كانت مالية على الصعيد الداخلي والخوف من إنهيار، أو من تداعيات التصعيد الإقليمي والدولي. الفترة المقبلة ستحمل الكثير من التطورات والتي ستكون فائقة الحساسية في مجالات متعددة بحيث ان المنطقة بشكل عام تعيش على صفيح ساخن.