أضافت الصحيفة: الأزمة التي يمرّ فيها لبنان تستوجب تصحيحاً ضريبياً يعوّض نوعاً من الخسائر والأعباء التي تكبّدها الاقتصاد اللبناني بشقي الإنتاج، أي الشركات والعمال. فهولاء يقدّمون قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، خلافاً للأموال المودعة في المصارف والتي تقتصر الإفادة الوحيدة منها على تمويل الدين العام المربح جداً للمصارف ولكبار المودعين.
قول الوزير السابق شربل نحاس، إن "ملوك السريّة المصرفية" في سويسرا، عرفوا كيف يستفيدون منها. ففي سويسرا، تخضع الفوائد لضريبة بمعدل 30%، إلا أن هذه الضريبة لا تنطبق على ادخارات المودعين إذا تنازلوا عن السرية المصرفية (والتنازل هنا لا يكون مطلقاً، بل يكون لسلطة الضرائب في وزارة المال وحدها حق الاطلاع على ما يجنيه المودِع). ففي الحالة الثانية، تُحتسب أرباح الفوائد من ضمن الدخل الفردي الذي تُفرض عليه ضريبة موحّدة تصاعدية وفق شطور. أما في لبنان، فيخضع صغار المودعين وكبار المودعين لضريبة متدنية وبشكل متساوٍ.
والأسوأ من ذلك، أن هذه الضريبة منخفضة، مقارنةً بالضرائب التي تطاول القطاعات المنتجة، سواء الشركات أو العمل. "كل أشكال الإنتاج في لبنان تخضع لضريبة. بعضها تصاعدي مثل ضريبة الدخل على الرواتب والأجور التي تصل إلى 25% وفق الاقتراحات المقدمة ضمن مشروع موازنة 2019. وبعضها الآخر غير تصاعدي مثل ضريبة الأرباح التي جرت زيادتها في السنة الماضية من 15% إلى 17% والتي تلحقها ضريبة بمعدل 10% على توزيع الأرباح، ليرتفع إجمالي العبء الضريبي عليها إلى 25%. لكن ضريبة الفوائد كانت 5% منذ عام 2003 حين استحدثت هذه الضريبة، ثم رفعت عام 2017 إلى 7% وألغي الإعفاء الذي كان ممنوحاً للمصارف عليها، وباتت تُفرَض على المصارف بدلاً من أن تحسم من ضريبة الدخل".
وطوال 14 عاماً كانت المصارف تحظى بامتياز يعفيها من ضريبة الفوائد. وأُلغي هذا الامتياز إبان البحث عن تمويل كلفة سلسلة الرتب والرواتب، فأقرّ مجلس النواب في نهاية 2017 تعديلاً على القانون 64 يلغي هذا الإعفاء صراحة. استعملت ضريبة الفوائد كأداة لتعزيز إيرادات الخزينة. وعُدَّت هذه الضريبة وتعديلاتها تطوّراً لافتاً في النظام الضريبي لتصحيح التركّز المرتفع في الثروة، لكنه بقي تصحيحاً ناقصاً يساوي بين أصحاب الودائع الكبيرة وأصحاب الودائع الصغيرة.
انطلاقاً من التجربة السويسرية، يعتقد نحاس أنّ الأجدى بالسلطة أن تذهب في اتجاه تصحيح ذي معنى اقتصادي واجتماعي، فتعمد إلى رفع ضريبة الفوائد إلى المعدلات الموازية لمعدلات الضريبة على الدخل، سواء كان أجراً أو أرباحاً، وأن تحدّد إعفاءات معينة من هذه الضريبة. "من يضع أموالاً في لبنان للاستفادة من السرية المصرفية، لن يهرب، لكن يجب أن نفرض عليه دفع كلفة هذه الاستفادة. ومن يصنّف "معتَّراً" يُفتح المجال أمامه للاستفادة من الإعفاء من هذه الضريبة مقابل رفع السرية المصرفية عن حساباته"، يقول نحاس.
في الواقع، ليس الأمر اختراعاً لبنانياً، لكن الدول تفرض هذه الضريبة بما ينسجم مع رؤيتها الاقتصادية. في لبنان العكس يحصل. "هذا البلد فيه مستوى مرتفع من التركز في الودائع، وهذا الأمر يجب أن يؤخذ كمؤشّر جدي على المستوى الذي يعيشه المقيمون في لبنان، فضلاً عن أنه يقتضي أن يكون تسديد الضريبة استناداً إلى نوع الدخل وطريقته"، وفق نحاس.
وكدليل على ذلك، يتطرق نحاس إلى الواقع الحالي: إن ارتفاع معدلات الفوائد زاد إيرادات ضريبة الفوائد، لكنه أدّى أيضاً إلى اتساع الفجوة الضريبية. فمن كان يحصل على فائدة بمعدل 5% على وديعته بالدولار، يبقى له منها بعد اقتطاع ضريبة الفوائد بمعدل 7% نحو 4.65% كـفوائد صافية على الوديعة. لكن بعد ارتفاع أسعار الفوائد بات المودع يحصل على 10% مقابل وديعته، ما يبقي له بعد اقتطاع الضريبة 9.3% كفوائد صافية.
وعلى سبيل المثال، إن الوديعة بقيمة 100 ألف دولار ستحصل من فائدة الـ4.65% على ما قيمته 4650 دولاراً سنوياً، فيما تحصل على 9300 دولار إذا كانت الفائدة 10%. أما إذا كانت الوديعة بقيمة مليون دولار، فإنها ستحصل على 46500 دولار على الفائدة المتدنية، وعلى 93000 دولار بعد ارتفاع الفائدة.
أين العدالة في توزيع العبء الضريبي؟ ألا يفترض أن أصحاب الودائع الكبيرة يمكنهم تحمّل ضريبة أعلى على دخل يأتيهم بسهولة ومن دون أي قيمة مضافة في الاقتصاد؟ ألا يجب أن تؤخذ إحصاءات تركّز الودائع بالحسبان بما أنها تشير إلى أن 0.86% من مودعي المصارف يملكون ودائع تفوق 87 مليار دولار مقابل 59% من المودعين الذين يملكون نحو 1 مليار دولار؟