إنّه الاول من أيار، إنّه عيد العمل، في بلادٍ يحتضرُ فيها العمل، وتُعدمُ الفرصُ وتنكفئ الاستثماراتُ، وتزدادُ هجرةُ الشباب بحثاً عن عمل.
إنّه الاول من أيار، إنّه عيدُ العمل، في بلادٍ يتلذذُ فيها بعضُ كبارِ أهلِ السلطةِ والسياسيينَ بقضمِ لقمةِ عيشِ العاملِ وإفقارهِ وإذلالهِ.
«الهدر ماشي، والعجز ماشي، والفساد ماشي، والصفقات ماشية، والإشاعات ماشية، والتخبّط الحكومي ماشي، والإنهيار ماشي، ومحاولات مدّ اليد على حقوق العسكر ماشية. لكن إنقاذ البلد مش ماشي».
ما ظهر حتى الآن يدلُ الى انّ الموازنةَ هي موازنة «كل مين إيدو إلو»، حسب قوتك تمدّ يدك وموازنتك. يوزّعون السمن على أناسٍ في موازنةِ وزاراتٍ معيّنة، ويحرمونَ أناساً حتى من الزيت في موازنةِ وزاراتٍ أخرى.
ولكنّ الباحثينَ عن كبش فداء يخطئونَ مجدداً في العنوانِ، لأنّ اليدَ لا يمكن أن تمتّد بسهولةٍ على المؤسسةِ العسكريةِ والعسكريينَ، الذين لا نعطيهم قيمتهم إلاّ وقت استشهادهم، ولا نشيدُ بهم إلاّ عندما تُحمل نعوشهم على الأكتافِ.
لا، هذه ليست موازنة تقشّف. والتقشّف لا يكون على حسابِ الأمنِ وعلى حسابِ الناس التي تعطي دمها للبلد لتحمي البلد.
التقشّف يجب أن يكون من وقف الهدرِ أولاً، وتحسين الجباية ثانياً، ووقف التهرّب الضريبي ثالثاً، ومن جيوب السياسيين المنتفخة بالصفقات والثروات، إن من المال العام أو من خلال التسهيلات والامتيازات والاحتكارات التي يمنحونها لأنفسهم.
لا، اليد لا يمكن أن تمتّد على الفقراء والناس الشرفاء، الذين لا ذنب لهم في العجزِ الذي بلغناهُ والفشلِ الذي وصلنا إليه.
السياسيون هم الذين صنعوا العجز في معاملهم، وهم الذين علّموا العالم الفساد في معاهدهم،
السياسيون هم الذين أوصلوا البلادَ إلى هذه المرحلةِ، وهم الذين يجب أن يتحمّلوا المسؤولية، لا أن يتنصلوا منها ويرموها على الناسِ هنا وهناك.
لا، لا تمرّ هكذا موازنة، شبه موازنة تقشفية، لا شيء فيها يدلُ الى انّ رأس الهدرِ سيُقطع، وقلبَ الفسادِ سيُقلع.
كلُّ الناس يعرفون أين الهدر، وكلُّ الناس يرون ما يحصل، فقط السياسيون لا يرون ما ارتكبته أيديهم وما زالت تَرتكب.
الإنقاذُ هو معركةٌ شاملةٌ، والإنقاذُ يبدأ بالرؤوسِ الكبيرةِ من فوق، ولا يبدأ بالجيشِ، ولا بالمتقاعدين، والحملاتُ الإعلاميةُ للتحريضِ ضدّ الجيش والمتقاعدين لن تمرّ لن تمرّ..
إنّ لبنان لا يقوم الّا على ركيزتين أساسيتين، هما القطاع المالي والجيش، القطاع المالي يهتزّ ويترنّح، ولم يبق الّا الجيش، وإذا راح الجيش راح البلد.