يعبّر مسؤول كبير عن امتعاض شديد ممّا يسميها «هذه المسخرة الفالتة»، يقول انّ من حق الناس أن يخافوا من وضع اقتصادي يعاني الأمرّين، وهو أمر مبرّر وطبيعي أمام وضع اقتصادي صعب، ولكن هذا لا يبرر ابداً إسقاط الناس ومعهم كل البلد في الخوف الكبير.
ويضيف: «إن الناس لا يلامون عندما يفقدون الثقة بالسلطة الحاكمة، ولا يصدقونها حتى ولو كانت تقول الحق. لأنّ هذه السلطة - ليست السلطة الحالية فقط - لم تبنِ في الاساس جسر الثقة بينها وبين الناس».
يلفت هذا المسؤول إلى «أنّ الاقتصاد في وضع خطير وشديد الحساسية، لكن هذا لا يبرر أن تفتح المنابر، بمباركة البعض من هذه السلطة، امام مجموعة من مُنتحلي صفة محلل او خبير في عالم المال والاقتصاد، لرسم سيناريوهات سوداء كنذير شؤم لِما هو آت، واستسهال الحديث بكل ثقة عن انهيار الليرة وفقدانها كل قيمتها، وبالتالي تصوير البلد وكأنه مُسرع نحو الافلاس. فماذا يراد من خلال ذلك؟ وهل يقدّر هؤلاء خطورة هذا المنحى؟».
يقول المسؤول: «انّ المسؤولية توجب عدم دفن الرؤوس في الرمال، وتغليف الأزمة التي نعانيها بالكذب الذي يحجبها او يخفف منها او يزيد من وطأتها، الصورة بكل صراحة رمادية داكنة لكنها ليست سوداء كما يصورونها، وبالتالي ما زال في الامكان زيادة البياض فيها، بقليل من الجرأة والمسؤولية والإرادة الصادقة ورفع الغطاءات وإزالة المحميات، وليس بالمواقف البهلوانية والمزايدات التي تزيد الأزمة تعقيداً».
يؤكد المسؤول الكبير «انّ الكلام عن انهيار، لا أقول فقط انه كلام مبالغ فيه، لا بل هو غير صحيح، ومجرد شائعات القصد منها إثارة البلبلة، ولديّ الثقة بما أقوله بناء على ما يلي:
ـ أولاً، لأننا أمام موازنة تقشفية، يمكن التأسيس عليها لإعادة الامساك بالبلد وإدارته نحو السكة الاقتصادية السليمة التي تؤدي بدورها إلى أن زيادة النمو انزال العجز إلى أدنى مستوياته.
ـ ثانياً، انّ دراسات الخبراء الاقتصاديين الفعليين، سواء اللبنانيين وغير اللبنانيين، تؤكد أنّ وجه الشبه بين لبنان، وبين اليونان من حيث الأزمة التي ضربته، غير موجودة على الاطلاق، وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلى القلق مما تسمّى «يَوننة لبنان».
ـ ثالثاً، في السياسة، لبنان ما زال يحظى برعاية خارجية عربية ودولية، إنما هي رعاية محدودة تبقي شرايين الهواء مفتوحة على هذا البلد، يمدّ بالاوكسيجين كلما دعت الحاجة. والمثال «سيدر» وغير «سيدر»، بمعنى أوضح، لا يوجد قرار بدفع لبنان الى الانهيار، لأنّ هذا الانهيار مُكلف داخلياً وخارجياً.
هنا يكشف المسؤول الكبير «انّ اللبنانيين من سياسيين او رجال مال واقتصاد يقفون على الحقيقة في لقاءاتهم الخارجية، وثمة سفراء قالوا لي شخصياً انّ وضع لبنان الاقتصادي يُنذر بمخاطر كبيرة، لكن لا خوف عليه من السقوط، وعندما استفسرتهم عن موجبات عدم الخوف، قالوا لي: لبنان كان وما يزال حاجة عربية، وخليجية تحديداً، وسعودية على وجه الخصوص، وها هي المملكة تعود بثقلها اليه، إنما بطريقة مدروسة ومختلفة عن السابق.
انّ لبنان حاجة أوروبية، كحافظ لقنبلة النازحين، ذلك انّ أي انهيار في الوضع اللبناني سيجعل من النازحين نهراً يتدفق في اتجاه اوروبا، التي تعاني من النازحين الموجودين فيها، فكيف إذا تدفّق إليها مزيد من لبنان.
انّ لبنان كان وما يزال حاجة فرنسية، وليس خافياً أبداً الجهد الذي تبذله باريس لإعادة تعزيز حضورها ودورها في لبنان، وان استطاعت تجديد أبوّتها للوضع اللبناني. والمثال ساطع في «باريس 1 و2» وصولاً إلى «سيدر»، وما قد يليه.
انّ عيون العالم على ثروة لبنان البحرية من النفط والغاز، وهذه إحدى أكبر عناصر القوة التي يتمتع بها هذا البلد. انّ لبنان كان وما يزال حاجة الأميركيين، فعينهم الاولى على النفط والغاز اللبناني، وشركاتهم قد تأتي للاستثمار.
أمّا عينهم الثانية على لبنان كنقطة متقدمة لهم يفترض ان تحوي أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط بكلفة تزيد على مليار دولار. ما يعني انها ليست سفارة بالمعنى المعروف بل هي أشبه بقاعدة عسكرية أميركية تبدو كرد استراتيجي وموقع إثبات وجود مواز لقاعدة طرطوس الروسية في سوريا.
وأمّا عين الاميركيين الثالثة فعلى «حزب الله» وإسرائيل، فلدى الاميركيين اقتناع ثابت بأنّ الاستقرار في لبنان يجب أن يستمر، وانّ الوضع الاقتصادي إذا انهار سيؤدي إلى خلخلة هذا الاستقرار، والانهيار معناه عجز الدولة عن دفع رواتب للموظفين وللجيش، وهنا يصبح الاستقرار في لبنان مهدداً بنحو خطير.
وبالتالي، المستفيد الأول من هذا الوضع في رأي الاميركيين هو «حزب الله»، الذي يتمتع بقدرات تجعله يُمسك بلبنان، وعندما تفتح الامور على احتمالات خطيرة سواء الداخل اللبناني، أو على الحدود مع إسرائيل.
خلاصة كلام هذا المسؤول «أنّ علّتنا في لبنان متعددة الوجوه: علّة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعلّة عدم القدرة والعجز على ابتداع حلول جوهرية، أمّا العلّة الأكبر والأخطر فموجودة في تلك الفئة من المرتزقين الذين لا يملكون سوى أبواق تنفخ السموم، وألسنة تنطق بالسوء والشائعات والتهويل. والسؤال الأخطر: من يقف خلف هؤلاء، ولأيّ هدف؟.