تلقى لبنان عدة رسائل دولية تحذيرية، بعد تصريحات وزير الدفاع، الياس بو صعب، حول الاستراتيجية الدفاعية، وقوله أن إقرارها سيتم "بعد زوال الخطر الإسرائيلي"! كلام بو صعب، الذي أطلقه خلال جولة قام بها في الجنوب، أدى إلى استغراب العديد من العواصم المعنية بالملف اللبناني. فطرحت تساؤلات كثيرة حوله، وحول أبعاده ومغزاه. لكن تلك الرسائل التحذيرية التي لم تتأخر بالوصول، دفعت وزير الدفاع وغيره من المسؤولين اللبنانيين، إلى إعادة توضيح مواقفهم كأن يقولوا إن رئيس الجمهورية سيعمل في المرحلة المقبلة على الدعوة لعقد جلسات حوار، لبحث الاستراتيجية الدفاعية. علماً أن الرئيس ميشال عون كان قد أطلق موقفاً واضحاً قبل الانتخابات النيابية، أنه بعد الانتخابات سيطرح ملف الاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث.
ضغوط بالجملة
اليوم، يرزح لبنان مجدداً تحت ثلاثة ضغوط دولية أساسية، أولها، ملف سلاح حزب الله، في ضوء ضغط أميركي مستجد على الأمم المتحدة، لإعادة طرح تطبيق القرار 1559. وثانيها، ملف الإصلاح المالي والاقتصادي في بنية الدولة ومؤسساتها. وثالثها، ملف العقوبات المفروضة على حزب الله، ووجوب الإلتزام بها، إلى جانب الإلتزام بمندرجات "قانون قيصر"، الذي يفرض عقوبات على النظام السوري والمتعاملين معه والمتعاملين مع المتعاملين معه.
ثمة في لبنان قراءة مفادها أن هذه الضغوط ستكون مرحلية، بانتظار تحقيق تفاهم إيراني أميركي في نهاية المطاف. فيراهن الإيرانيون على الوقت، من نوع حدوث تغيير في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومجيء رئيس غير دونالد ترامب. وعندها، يعتقد الإيرانيون، أن أي إدارة اميركية جديدة، ستعيد تفعيل المفاوضات مع إيران، وتكرار لحظة توقيع الاتفاق النووي. ترامب أيضاً يشدد الضغوط على إيران وغيرها من الدول في مرحلة ما قبل الإنتخابات. وهذا التصعيد يهدف إلى تعزيز حضوره وأوراقه الإنتخابية، لعلّه يؤمن ولاية ثانية. ولذلك هناك قناعة بأن الحلول في المنطقة متروكة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020. وتشديد الضغط على إيران اليوم، قد يتغير فيما بعد باتجاه تعزيز القنوات التفاوضية.
وجهة الاستراتيجية الدفاعية
في إطار الضغوط المستمرة على إيران وحلفائها، ولا سيما حزب الله، يتم طرح ملف الاستراتيجية الدفاعية. وهي لبنانياً لها وجهان. الأول، عنوانه الاستراتيجية الدفاعية بتعزيز دور الدولة. والثاني، تشريع سلاح حزب الله ومنحه الغطاء الرسمي لوظيفته وبقائه. تخضع الاستراتيجية الدفاعية لموازين القوى، التي ستفرض إلى أي جهة يتم أخذ تلك الاستراتيجية، بين تشريع وجود الدولة أم تشريع وجود السلاح. لدى بعض الاطراف رهان أن الظروف الحالية قد تسمح باتجاه تشريع السلاح، حتى ولو اتخذت وجهة أن الدولة بأجهزتها الرسمية هي التي تكون مسؤولة.
تشير بعض المعطيات إلى أن هناك صيغة محضرة لدى حزب الله، وهي جاهزة لأن تقرّ، ويتم تبنّيها من قبل القوى الأخرى. ولكنها تحتاج إلى الظرف المناسب لتقبل بها القوى الأخرى. فهذه الصيغة بالنسبة إلى معارضي الحزب ستكون على طريقة "الحشد الشعبي" العراقي، أي له الاستقلالية، ولكنه يخضع لسلطة الدولة اللبنانية وفق إحدى الصيغ: مجلس عسكري، أو رئاسة الجمهورية، أو غيرها...
تساؤلات غير محسومة
هذه ستكون مقدّمة لنوع من إحالة المسؤولية إلى الدولة اللبنانية، في كل ما يفعله هذا الإطار العسكري الجديد، على نحو تصبح فيه الدولة صاحبة مسؤولية في كل ما يقوم به هذا الكيان الجديد. لكن، وبلا شك، لا يمكن التقدم نحو هكذا تصور لمستقبل سلاح حزب الله من دون وجود تفاهم خارجي بالحدّ الأدنى، خصوصاً في ظل إعادة توزيع مناطق النفوذ، ورسم الخرائط الجديدة، وإذا أفضى هكذا توزيع إلى جعل لبنان من حصة إيران، مقابل تقديمها بعض التنازلات في الميادين الأخرى. وفي حال حدوث ذلك، فهذا يعني أن دور حزب الله سيتعزز أكثر. بل وربما ستنتهي "الاستراتيجية الدفاعية" حينها إلى صيغة إدخال لبنان برمته ضمن منظومة سلاح المقاومة ومحورها.. لا العكس.
وبحال لم يتم التوصل إلى تفاهم خارجي لهذا التوافق، فمن الصعب تمرير تلك الاستراتيجية الدفاعية، ولو كان هناك حماسة إيرانية لذلك. كذلك، فإن أي اتفاق لبعض القوى على تشريع عمل حزب الله العسكري في البنية الرسمية اللبنانية، سينجم عنه تساؤلات عديدة، حول هذه المجموعة العسكرية التي تتمتع بامتيازات عديدة. وسيعمل كثيرون على التشكيك بولاء هذا الجهاز الجديد. أيضاً، لا بد من طرح سؤال أساسي، إن كان سيتم تشريع هذا "الجهاز"، هل ستبقى "المقاومة" حزباً أم ستكون مفتوحة لعموم أفراد الشعب، إذ لا يمكن حصر "المقاومة" بطائفة ما أو بحزب عقائدي ما. هذه كلها أسئلة ستطرح في أي لحظة جدية للبحث في الاستراتيجية، التي لا بد لها أن تُقرّ، بناء على تحديد موازين القوى.
عقوبات جديدة
إلى جانب الضغوط الدولية الأخرى التي يتعرض لها لبنان، تأتي التلويحات بفرض عقوبات على شركات مستوردي المشتقات النفطية اللبنانية، في حال تم تهريب المحروقات إلى سوريا عبرها. وتكشف مصادر متابعة، أنه في الأيام الأخيرة وصلت رسائل دولية إلى لبنان، تحذّره من استمرار بعض الشركات من تهريب البنزين والماوزت إلى سوريا، في ظل الأزمة التي تشهدها المناطق السورية، بفعل العقوبات الأميركية، والتحذير يشتمل على فرض عقوبات مصرفية ومالية على تلك الشركات.
وليس بعيداً عن سياق التلويح بالتهديد والتصعيد، بعض المعلومات المتوافرة من واشنطن، تشير إلى إمكانية إقدام الإدارة الأميركية على فرض عقوبات جديدة على شركات وشخصيات وكيانات لبنانية، في الفترة القليلة المقبلة. وتنفي هذه المعلومات كل محاولات التخفيف اللبنانية من جدية التهديدات الأميركية، خصوصاً بعد زيارة وفد لبناني إلى واشنطن، ونفيه وجود أي إشارات على فرض عقوبات مالية على مقربين سياسيين من حزب الله. هذه الإجراءات والضغوط ستتخذ، حسب الأميركيين، تزامناً مع ضغوط من نوع آخر على حزب الله، تتعلق بصواريخه ومخازن الأسلحة الكاسرة للتوازن، الموجودة لديه في جنوب لبنان، أو في مناطق حساسة بالنسبة إلى الإسرائيليين.