في الوقت الذي تتعثر فيه جهود بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومته الجديدة، بسبب المطالب الضخمة المبالغ فيها التي يطرحها حلفاؤه من أحزاب اليمين الصغيرة، أعلن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أبيحاي مندلبليت، أنه رفض طلباً آخر من طاقم محامي الدفاع عن نتنياهو، وأبلغهم بأن جلسة الاستماع لطعونه بخصوص ملفات الفساد التي ينوي محاكمته عليها ستقام في موعدها المقرر، العاشر من يوليو (تموز) المقبل.
وقال مندلبليت، في بيان أصدرته وزارة القضاء، أمس، إن إجراءات محاكمة نتنياهو لا تحتمل التأجيل الإضافي. ودعا محامي نتنياهو إلى القدوم لمكاتب النيابة للحصول على مواد التحقيق فوراً. وحدد لهم يوم العاشر من مايو (أيار) المقبل موعداً أخيراً لتسلم المواد وتحديد موعد دقيق لجلسة الاستماع، فإذا لم يحضروا، سيعتبر الأمر رفضاً لجلسة الاستماع وسيقدم رسمياً لائحة الاتهام ضد نتنياهو.
وكان المستشار مندلبليت، الذي يعتبر مقرباً من نتنياهو، قد تساهل مع رئيسه كثيراً حتى بلغ هذه المرحلة. ويقول مقربون من ملفات التحقيق إن مندلبليت سعى بكل قوته كي لا يوصل نتنياهو إلى قفص الاتهام، لكن الأدلة على ممارسته الفساد كانت قوية. وعندما بدت الصورة واضحة تماماً تردد مندلبليت في إعلان قراره تقديم لائحة اتهام، مما أتاح لنتنياهو أن يعلن عن تبكير موعد الانتخابات بغرض كسب ثقة الناس والظهور كمن يريده الناس رغم ملاحقة القضاء له. وعندما أعلن مندلبليت قراره تقديم نتنياهو إلى القضاء، خفف بنود الاتهام في قضيتين من تلقي رشوة إلى الاحتيال وخيانة الأمانة. ثم استجاب لطلب نتنياهو ولم يرسل مواد التحقيق للمحامين خوفاً من أن يتم تسريب أجزاء منها إلى الرأي العام وجعلها موضوعاً انتخابياً. وقرر المستشار أن يأخذ المحامون مواد التحقيق والملفات في اليوم التالي للانتخابات، أي يوم العاشر من الشهر الجاري.
وبالفعل، كانت الملفات جاهزة في الموعد، لكن محامي نتنياهو امتنعوا عن الحضور بحجة أنهم لم يقبضوا أجرهم من المتهم (نتنياهو). ثم طلبوا تأجيل الاستماع إلى سبتمبر (أيلول) المقبل. فبدا الأمر بمثابة عملية تهرب صريحة من القضاء. وشدد مندلبليت، في بيانه، على أنه لا ينوي تأجيل الموعد المحدد لجلسة الاستماع، مستدركاً أنه «إذا اختار رئيس الحكومة عدم الخضوع لجلسة الاستماع كما هو مقرر، فسيقوم المستشار القضائي باتخاذ قراره النهائي بشأن هذه القضايا بناءً على الأدلة المعروضة عليه ومواد التحقيق».
وردت مصادر مقربة من نتنياهو، أمس، بالقول إنه قد يتنازل عن جلسة الاستماع هذه، ويفتش عن طريقة أخرى لإجهاض المحاكمة ضده. فهو ينوي تشكيل حكومة من قوى حزبية تتضامن وتتعاطف معه في معركته القضائية، إما لأسباب سياسية وإما لأسباب قضائية. فكتلة اتحاد أحزاب اليمين بقيادة بتصلئيل سموتريتش، تريد نتنياهو رئيساً للحكومة بأي ثمن. وقد بادرت إلى سن قانون يقوّي حصانة نتنياهو بحيث لا يكون ممكناً تقديمه إلى المحاكمة إلا بموافقة 61 نائباً. ويرى هذا التكتل أن اليمين الإسرائيلي يعيش حقبة ازدهار تاريخية عليه ألا يضيعها في دفع أفكاره وسياسته إلى الأمام، وأهمها إجهاض إمكانية إقامة دولة فلسطينية.
وزعيما الحزبين الدينيين، أريه درعي («شاس» لليهود الشرقيين المتدينين) ويعقوب ليستمان («يهدوت هتوراة» لليهود المتدينين الغربيين - الأشكناز)، مرشحان للمحاكمة في ملفي فساد آخرين، فإذا أفلت نتنياهو من قبضة القضاء سيفلتان هما أيضاً. وفي حزب الليكود نفسه يوجد قائدان أساسيان يتعرضان للتحقيق في ملفات فساد ويريدان إبعاد النار عنهما.
لذلك هناك مصلحة في سن القانون الذي يضمن الحصانة.
ومع ذلك فإن نتنياهو، ومن خلال محادثاته مع رؤساء أحزاب اليمين المتحالفة معه، يشعر بأن هناك مصاعب جمة تواجهه وتعرقل جهوده لتشكيل الحكومة. وبالإضافة إلى الطلبات والشروط المبالغ فيها التي يطرحونها، مثل الحصول على حقائب وزارية سيادية مع أنها أحزاب صغيرة جداً، شرط رفض خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتسوية في الشرق الأوسط وضم أراضي المستوطنات لإسرائيل وسن قانون يلزم بفرض حكم الإعدام على الفلسطينيين واجتياح قطاع غزة وغيرها، هناك مطالب مالية ضخمة تصل إلى عدة مليارات من الدولارات. ومع أن هناك قناعة بأن نتنياهو سيتغلب على هذه المصاعب في النهاية، إلا أن هناك إجماعاً على أنه سيصل مثقلاً بالجراح في أحسن الأحوال، وربما يمنى بالفشل أيضاً.