موازنة العام 2019 امام مجلس الوزراء اليوم، في أولى جلساته، التي قد تمتد، وسط حرص على تحقيق جملة من الشرائط التي وضعها مؤتمر «سيدر»، وذلك من دون إبطاء، على ان تحال إلى مجلس النواب لتأخذ طريقها إلى الإقرار، مع العلم ان روح الموازنة، سرت في جملة إجراءات في الكهرباء والمياه والنفايات، وإجراءات الفساد، وصولاً إلى القضاء نفسه، الذي أخذ المبادرة للتطهير، وفقا للقوانين المعمول بها..
على ان الأهم ان الموازنة لا تتحرك بحرية اقتراحات البنك الدولي وصندوق النقد، وتوجهات السلطات المعنية، مالية ونقدية ورسمية مسؤولة، بل تقابل على الأرض بقطاعات الموظفين العاملين في القطاع العام، سواء اكانوا من العسكريين أو المدنيين، المتقاعدين، أو الذين لا يزالون في الخدمة، بدءاً من تحركات العسكريين المتقاعدين من ضباط كبار ورتباء وجنود اليوم في الشارع.
وفي سياق رقابة «سيدر» اجتمع وزير المال علي حسن خليل مع فريق البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي ساروج كومار، وعقدا اجتماعاً ثانياً مع مسؤولة مكتب صندوق النقد الدولي في لبنان نجلا نخلة، وجرى نقاش في النقاط التالية: 1 - التطابق بين أرقام الموازنة قيد التخفيض واقتراحات مؤتمر «سيدر».
2 - نفقات القطاع العام، وتحديث قوانين وتشريعات وحصة من مجمل المالية العامة.
3- رفع تخفيض العجز، بحيث يصبح بدل «نسبة 5٪ من إجمالي الناتج المحلي في السنوات الخمس المقبلة بواسطة مجموعة من الإجراءات المتعلقة بالواردات، خصوصاً زيادة التحصيل الضريبي، والنفقات مثل تخفيض الدعم لشركة كهرباء لبنان من أجل تحقيق فائض اولي إلى نسبة 8.5٪ كما طالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي».
4- وحدد ممثّلو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ان المهلة المعطاة للبنان، وفقاً لمسؤول لبناني ليست مفتوحة، فهي محدودة ضمن مُـدّة شهر على أبعد مدى.
وعليه، نقل عن الرئيس نبيه برّي قوله ان الجميع متفق على اجراء التخفيضات على الموازنة، ولكن الأمر يحتاج إلى اتفاق على الأبواب التي يطالها التخفيض، مشدداً على ان المجلس النيابي ينتظر مشروع الموازنة للحكومة ليعكف فوراً على البدء بدراسته بنداً بنداً أو ضمن الفترة الزمنية المتاحة دستورياً، نظراً لحساسية الوضع الاقتصادي.
الموازنة امام الحكومة
وفيما أخذت البلاد «نفساً عميقاً» في عطلة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي، تستعد الحكومة لانطلاق أولى جلسات مجلس الوزراء اليوم، والمخصصة لدرس مشروع موازنة العام 2019، والتي ستتوالى فصولاً وصولاً إلى اقرارها حكومياً قبل احالتها إلى المجلس النيابي، والذي سيأخذ وقته، رغم انه يفترض ان يتم التصديق على المشروع قبل 31 أيّار المقبل، وهو موعد انتهاء الصرف قانوناً، وفق القاعدة الاثني عشرية.
ومع ان عطلة الفصح شهدت اتصالات بعيدة من الأضواء من أجل تقريب وجهات النظر حول الموازنة التي جرى توزيعها على الوزراء في أعقاب جلسة الخميس الماضي والتفاهم على الإجراءات التقشفية التي لحظتها لمعالجة نسبة العجز إلى الناتج المحلي، الا ان جميع المؤشرات توحي، لا بل تؤكد، ان مناقشة الموازنة والمقدر لها ان تستمر في مجلس الوزراء أربع أو خمس جلسات لن تمر برداً وسلاماً، ومن دون تعديلات أو اضافات، قد تكون بعضها جوهرية، ليس بسبب التحركات المعترضة عليها في الشارع، والتي يحمل لواءها العسكريون المتقاعدون الذين سيستأنفون تحركهم اليوم، عبر اعتصامات وتنظيم تجمعات وربما قطع طرقات، بالتزامن مع انعقاد أولى جلسات الحكومة بل بسبب وجود الكثير من الاعتراضات والملاحظات على مشروع وزير المال، من قبل عدد من القوى السياسية داخل الحكومة، ومنها «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«القوات اللبنانية» وتيار «المردة»، فيما نقل النائب اللواء جميل السيّد أمس عن رئيس الجمهورية ميشال عون ان لديه ملاحظات على مشروع الموازنة سيطرحها في مجلس الوزراء، وسيكون له موقف من حقوق العسكريين.
وقالت قناة «المنار» الناطقة بلسان «حزب الله» ان الرئيس عون سيطلب خلال جلسة الحكومة اليوم من الوزير خليل تقديم ملخص لمشروع الموازنة يفصل فيه أبواب النفقات والايرادات، مشيرة إلى ان هناك خيارين في الجلسة الأولى، وهو اما المضي بالنقاش التفصيلي حيث يدلي الوزراء بدلوهم حول المقترحات الواردة، واما ان تكون جلسة عامة حول العناوين الأساسية دون الدخول في التفاصيل التي ستترك لجلسة الخميس.
وافادت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان جلسة مجلس الوزراء اليوم الثلاثاء ستطلق صفارة النقاش في مشروع الموازنة مع العلم ان هذه الجلسة ستكون محطة ضمن محطات بحث المشروع في جلسات متتالية. ولفتت الى ان الجلسة اليوم ستشهد شرحاً من وزير المال علي حسن خليل عن المشروع بالارقام والتفاصيل وفق ما وزع على الوزراء.
واوضحت ان النقاش قد لا يصل الى تقديم الوزراء ملاحظاتهم الا بشكل عام من دون تفاصيل عن موازنات وزاراتهم كما ان وزير المال سيتحدث بالتفصيل عن فذلكة الموازنة.
وقالت ان البحث في الموازنة سيكون عاما اما ملاحظات رئيس الجمهورية فستكون عامة أيضاً وهو سيبادر الى تقديم اقتراحات وكذلك رثيس الحكومة سعد الحريري، مشيرة الى ان ما من نقاش مفصل انما عرض عام. واكدت ان هناك افكارا معينة سيطرحها الرئيس عون فضلا عن ملاحظات في سياق جعل الموازنة اكثر تماسكا وانسجاما.
وفي إطار التحضير لبدء جلسات مناقشة الموازنة، عقد الوزير خليل أمس اجتماعين منفصلين، الأول مع فريق البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي ساروج كومار جاه والثاني مع السيدة نجلا نخلة مسؤولة مكتب صندوق النقد الدولي في لبنان وجرى البحث في أمور الموازنة العامة بخطوطها العريضة والخطوات الإصلاحية التي تتضمنها والأرقام المتوقعة استناداً إلى المعطيات القائمة. كما جرى نقاش وتبادل للآراء للمساعدة في بلورة مجموعة من الأفكار التي توصل إلى موازنة متوازنة تتضمن خطوات إصلاحية عملية.
وافاد المكتب الاعلامي لوزير المال أن وفدي البنك وصندوق النقد الدولي أثنيا على هذه الخطوات التي تعكس شفافية ووضوحاً ومقاربة مسؤولة تجاه هذا الملف الحساس.
مواقف من الموازنة
اما بالنسبة لمواقف المكونات السياسية داخل الحكومة، والتي يبدو ان لديها ملاحظات تصل إلى حدّ الاعتراض على مشروع الوزير خليل، فقد لوحظ ان عضو تكتل «لبنان القوي» وزير الاقتصاد منصور بطيش تحفظ عن الخوض في التفاصيل، واكتفى بابلاغ «اللواء» بأن هناك إجراءات جيدة قد يكون لا بدّ منها، ولكن هناك اجراءات بحاجة لنقاش وربما تعديل، وسنعطي رأينا بوضوح خلال جلسات مناقشة الموازنة، في حين اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان مشروع الموازنة مخيف للآمال ولا يرتقي إلى مستوى المعالجة الواجبة في مواجهة أزمة اقتصادية خطيرة لتلك التي تعصف بالبلاد راهناً، لا بل تقتصر المعالجات الواردة على إجراءات عادية لا يُمكن ان توفّر الحل المنشود.
ورأى ان مشروع الموازنة لم يطرق الأبواب الأساسية الكثيرة التي من شأنها ان تدر الاموال لخزينة الدولة وتضع الأمور على سكة المعالجة الجدية، وحدد منها: املاك البحري، وغياب أي بند يتصل بدور المصارف، التهرب الضريبي، مزاريب الهدر اللامحدود في الجمارك والفساد، واشراك القطاع الخاص مع العام في بعض القطاعات والمضمونة نتائجه لتصبح أكثر انتاجية وتوفر مليارات الدولارات للخزينة.
وبالنسبة ليتار «المردة»، فقد علمت «اللواء» ان قيادته عقدت مساء أمس اجتماعاً مطولاً مع رئيس التيار النائب السابق سليمان فرنجية، في حضور رئيس الكتلة النيابية طوني فرنجية والوزير يوسف فنيانوس، وخلص الاجتماع على تأكيد الموافق على إجراءات التقشف في الموازنة، وستتم مناقشتها بنداً بنداً بما يتناسب مع مصلحة المواطنين، بما يعني عدم المس بحقوق الموظفين، من دون الكشف عن تفاصيل.
وحدد الوزير محمود قماطي توجهات حزب الله بـ: رفض رفع قيمة الضريبة على القيمة المضافة، ورفض أي مس او اقتطاع من رواتب صغار الموظفين ومن تبلغ رواتبهم ثلاثة أو أربعة ملايين ليرة، ورفض رفع سعر تعرفة الكهرباء قبل تأمين الطاقة للمواطنين بنسبة لا تقل عن 20 ساعة، التشديد على دور المصارف في خفض العجز ووضع سقف أعلى للرواتب في القطاع العام والمؤسسات العامة وبعض المجالس، وهذا بحاجة إلى موافقة مجلس النواب، إذ لا يجوز ان يتخطى راتب أي موظف مهما كان منصبه أو موقعه راتب رئيس الجمهورية، مشيراً إلى ان الرواتب العالية معروفة أين وهي مصدر هدر وانفاق كبير للدولة.
تحركات في الشارع
نقابياً، لوحت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية بالإضراب المفتوح، في حال «المساس بالرواتب والتقديمات الاجتماعية والنظام التقاعدي»، فضلاً عن الحفاظ على صندوق التعاضد والمطالبة بالدرجات الثلاث، والسنوات الخمس، والدرجات الاستثنائية، والدخول إلى الملاك والتفرغ.
وفي الإطار الجامعي، أعلنت لجنة الأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة الإضراب التحذيري في 8 أيّار، والمفتوح بعد أسبوع، وصولاً إلى مقاطعة الامتحانات والمراقبة، ووضع الأسئلة، وتصحيح المسابقات إلى حين رفع التفرغ في مجلس الجامعة إلى وزير التربية.
واعتبرت رابطة قدماء القوى المسلحة اللبنانية أنه «وبالتوافق مع المكتب التنفيذي للمجلس الوطني لقدامى موظفي الدولة والإتحاد العمالي العام، أي تحرك اعتراضي على هذه التدابير التي تطال الرواتب والمعاشات التقاعدية شرط أن تبقى محكومة بالمناقبية العسكرية».
ودعت المعنيين بأمور العسكريين وبخاصة وزيري الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية كافة إلى «إجراء الإتصالات الضرورية واتخاذ التدابير المناسبة للحفاظ على حقوق العسكريين وعائلاتهم إستدراكا لعدم الذهاب إلى ما لا تحمد عقباه».
مزارع شبعا
سياسياً، أفاد موقع «إيلاف» الالكتروني ان لبنان تبلغ رسمياً ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ادرج زيارة رسمية للبنان على جدول مواعيده، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس اللبناني ميشال عون.
وفيما لم يُحدّد تاريخ الزيارة بعد، توقع الموقع ان يقوم وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بزيارة بيروت في الشهر المقبل، قد يسبقها، بحسب معلومات «اللواء» زيارة للسفير الفرنسي المشرف على متابعة مقررات مؤتمر «سيدر» بيار دوكان للاطلاع على آخر التفاصيل المتعلقة بالمؤتمر الفرنسي على صعيد إجراءات خفض الانفاق ومعالجة مسألة العجز، والتي حددها «سيدر» كشروط للانفاق على مشاريع البنى التحتية في لبنان، وفي ضوئها يمكن ان يُحدّد المجتمع الدولي عمّا إذا كانت الإصلاحات التي نفذت سواء على صعيد الموازنة أو الكهرباء كافية لفتح طريق أموال الدول المانحة واستثماراتها نحو بيروت.
تزامناً، حذر الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس في التقرير نصف السنوي التاسع والعشرين في شأن تنفيذ القرار 1559 من احتفاظ حزب الله بـ«قدرات عسكرية ضخمة ومتطورة»، ودعا الحكومة والجيش اللبناني إلى اتخاذ كل الإجراءات الضرورية المدعوم من إيران وغيره من حيازة الأسلحة والعمل من أجل تحويله إلى «حزب سياسي مدني صرف».
وفيما لم يشر غوتيريس إلى مسألة مزارع شبعا، بقيت تصريحات رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عن ان مزارع شبعا ليست لبنانية، في دائرة المتابعة والاهتمام والرصد من قبل كافة الجهات السياسية في لبنان والمنطقة، لمعرفة ابعاد إطلاق هذا الموقف وتوقيته في اللحظة السياسية الراهنة، سواء على صعيد ما يتعلق بالاستراتيجية اللبنانية التي تحدث عنها وزير الدفاع، أو على صعيد «صفقة القرن» التي سيتم الكشف عن تفاصيلها من قبل الإدارة الأميركية بعد انتهاء شهر رمضان.
ولم تستبعد المواقف السياسية التي عارضت كلام جنبلاط، ان يكون توقيت تصريحه مرتبطاً بما يقال عن «صفقة القرن» والحديث عن مستقبل الجولان السوري، نافية بشدة علاقته بالتوتر الذي ساد على جبهة الضاحية الجنوبية وكليمنصو، على خلفية قرار مجلس الشورى وقف العمل بقرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور وأعطاء الاذن مجدداً لكسارة آل فتوش بالعمل في عين دارة.