اتخذ الخلاف بين حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، طابعاً جديداً لا يخلو من السمة القضائية أو القانونية. فالقرار الذي اتخذه مجلس شورى الدولة، بوقف تنفيذ قرار وزير الصناعة وائل أبوفاعور، بشأن معمل الإسمنت في عين داره، والعودة إلى القرارات التي اتخذها الوزير السابق حسين الحاج حسن، بتفعيل المعمل وقانونية عمله، من شأنه أن ينقل العلاقة إلى مرحلة جديدة.
تسجيل نقاط
في إبطال أبو فاعور لقرار الحاج حسن، وحجب ترخيص المعمل، سجّل الاشتراكي نقطة على حزب الله، خصوصاً عندما رفض جنبلاط زيارة الضاحية الجنوبية، واللقاء بمسؤولي الحزب للبحث في المشكلة. إذ أكد جنبلاط أن على حزب الله أن يزور كليمنصو، كما كان متفق سابقاً. لم ينم الحزب على "الضيم"، ذهب إلى القضاء، وتحديداً إلى مجلس الشورى، لإلغاء قرار أبو فاعور. وهذا ما حصل، فسجّل الحزب نقطة على جنبلاط. بعض المقربين من جنبلاط يعتبرون أن قرار مجلس الشورى معروف اتجاهه، لاسيما أن ولاء المجلس معروف لأي جهة يميل. وبالتالي، أراد الحزب أن يكسب على جنبلاط مجموعة نقاط بضربة واحدة، ورد الصاع صاعين، قبل فتح الباب أمام مفاوضات بين الطرفين على قاعدة تفوق الحزب لا التكافؤ.
بمعنى أن حزب الله سيكون جاهزاً في المرحلة المقبلة لعقد جولة تشاور مع جنبلاط، والبحث في الخلافات، ولكن بعد حصوله على المعمل وتحقيق الانتصار. وبذلك، يدخل المفاوضات من موقع قوة، ومن مسلّمة أساسية ان المعمل أصبح حقاَ مكتسباً، قانونياً. ما يعني أن أي حوار سيجري بين الطرفين لن يتعلّق بعمل المعمل أو عدمه، لأن ترخيص العمل به أصبح تحصيل حاصل. في المقابل يبحث أبو فاعور عن صيغة قانونية للطعن قرار مجلس الشورى.
الرد اللاذع
ردّ جنبلاط على قرار مجلس الشورى كان سريعاً ولاذعاً، ويحمل أكثر من إشارة ومعنى، إذ اعتبر أن لا عجب بهذا القرار، خصوصاً أن البلد كله مستباح، قائلاً: "لا عجب أن يصدر قرار من هيئة قضائية باستباحة الطبيعة في محمية أرز الشوف والأملاك الخاصة لعين داره. إن البلد كله مستباح، يبدو، لخدمة الممانعة من الكسارات وصاعداً. حتى إن ذكر إعلان بعبدا أصبح جريمة. لكننا سنستمر في المواجهة السلمية المدنية، نتحدى تزوير الحقائق من أجل لبنان أفضل".
وتقصّد جنبلاط، في تغريدته، تمرير رسائل سياسية عدة، لعدم حصر المسألة بمعمل الإسمنت، خصوصاً أنه يحرص على عدم شخصنة المشكلة، ووضعها في إطار تضرر المصلحة الخاصة به، من معمل عين دارة، لا سيما أن قصة المعمل تشبه إلى حدّ بعيد قصة كسارات فتوش، التي كبّدت الدولة اللبنانية مئات الملايين من الخسائر. والأهم بالنسبة إلى جنبلاط، هو قضية الأملاك العامة والخاصة في عين دارة، والتي ستتضرر بسبب هذا المعمل.
استحضر جنبلاط في تغريدته أيضاً إعلان بعبدا، وذلك لإعطاء القضية بعداً أبعد من تفاصيلها، وللدلالة على انحياز بعض الجهات القضائية، كما هو الحال بالنسبة إلى الانحياز السياسي لدى بعض قوى السلطة، في ردّ غير مباشر على كلام وزير الدفاع الياس بو صعب من الجنوب، والذي أعلن فيه تأجيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية، وكأن لا أحد يريد أن يحفظ إعلان بعبدا أو الالتزام به.
ليس تفصيلاً هامشياً أن تتبلغ شركة فتوش بقرار مجلس الشورى، قبل صدور القرار رسمياً. يؤشر ذلك (بالإضافة الى روحية نص القرار) إلى مدى الانحياز إلى جانب فتوش. وهذا ما دفع جنبلاط الى اعتبار أن كل شيء في لبنان أصبح مستباحاً أو مصادراً. ولذلك ذهب للاستدلال على تلك المصادرة بمصير إعلان بعبدا، والذي أصبح الرجوع إليه تهمة أو مدعاة تخوين. طريقة تعاطي المجلس، مؤشر يستشرف منه جنبلاط سياقات المرحلة المقبلة، والتي لا تخرج عن الحوليات اللبنانية التاريخية، والتي تظل هكذا بوضعية: "لا معلق ولا مطلّق". قضية معمل الاسمنت تشبه قضية الكسارات سابقاً. وتبقى معلقة بلا أي قرار واضح، كغيرها من الملفات التي تبقى معلقة، من الموازنة إلى ترسيم الحدود.
إذاً، الوضع معلق قضائياً كما سياسياً، وينسحب إلى ملف ترسيم الحدود. واذا ما كان ماهر الأسد شريكاً لفتوش، فكذلك سوريا شريكة تاريخية لواشنطن في ترك المناطق الحدودية اللبنانية غير واضحة المعالم، من مزارع شبعاً إلى وادي العسل، وصولاً إلى الترسيم براً وبحراً.
على كل حال لا بد من انتظار مواقف القوى السياسية الأخرى في تلك المنطقة، وتعاطيها مع قضية معمل الإسمنت في عين دارة، بالإضافة إلى ما سيفعله أبناء المنطقة المتضريين من هذا المعمل، ليس من الناحية البيئية فقط بل من الناحية العقارية.