سمعتُهم كلَّهمْ... مسؤولاً بعد مسؤول، حاكماً بعد حاكم، زعيمَ حزبٍ وكتلـةٍ ونافـذ، سمعتهم يقولون: أوقفوا الهدر والتبذير لتتقشّف الموازنة...
ولستُ أدري مَنْ يخاطب مَنْ... ومَنْ همْ هؤلاء الأشباح الذين هدروا وبـذَّروا وسلبوا ونهبوا وأوقعوا الخزينة في القعر، والبلاد في الفقر.
مَنْ همُ الفلاسفة اليونانيون الذين يتهيَّبون أنْ يتشبَّه لبنان باليونان، ولا يتشبّهون بفيلسوفهم أفلاطون الذي يقول في كتابه «الجمهورية»: «إن أثقل مصائب الناس أن يُقْصى فضلاؤهم عن الأَحكام...»
مَنْ هم فضلاء الحكّام عندنا، الذين يستخدمون التنويم المغناطيسي لتضليل الشعب إخفاءً لفسادهم، وإظهار أنفسهم بأنّهم المقدَّس الأسمى الذي يستحقّ الإجلال والإكرام والإحترام...
ومَنْ همْ الذين يرتدون الثياب القذرة ولا يصحّ أنْ تُغْسَلَ ثيابهم على السطوح...؟
إنه المسيح الذي قال: «الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الآذان نـادوا بـه على السطوح...» (1)
وزير المال من على سطح الشاشة الصغيرة نطـقَ بالإتهامات الكبائر على مرأى الملايين قال: «هُـمْ كلُّهم تحت الغربال، كلّهم مسؤولون، الذين حكموا كلُّهم متورِّطون، بل... كلُّنا...»
وجرأة وزير المال في: «كلِّهم وكلِّنا» كشفت كلَّ مستور تحت طبقات الثلج الإصطناعي وفضائح هـدر مليارات الدولارات: على الكهرباء والرواتب والجمعيات والتنفيعات والرشوة والتوظيف السياسي والتهريب والمخصّصات السرِّية وخفايا الموازنات على مدى بضعٍ من السنين الخوالي.
والعينُ الفارغة لم يشبعها فراغ الخزينة، بل راحت تتطَّلع إلى رواتب الطبقات الكادحة... «بصولة اللئيم إذا شبع، ومن دون أن تحذر صولة الكريم إذا جاع...» (2) ولا تخشى.. «رجلاً يرى أطفاله جياعاً ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه...» (3)
السلطة الفاسدة تجنـّد نفسها «الطاهرة» لمحاربة الفساد بطهارة الذئب من دم يوسف، ويوسف لـمّا ملك خزائن الأرض كان يجوع ويأكل خبز الشعير لأنه يخاف أن يشبع وينسى الجائع.
الذين يتجنّدون لمحاربة الفساد ويأكلون الخبز المعجون بالذهب، هم الذين أفسدوا السلطة، وجعلوا الدولة المركزية عجلاً مسمَّناً يتقاسمه زعماء الطوائف، كلٌّ بما ملكت يداه، وهم الذين جعلوا لبنان فقيراً متسولاً على أبواب الأمم.
تريدون إنقاذ لبنان من الإنهيار وإنعاش الخزينة بالموارد...؟
أَنعشوا الخزينة بالملايين التي نهبتموها وأودعتموها المصارف الأجنية بحسابات سرّية...
أَنعشوا الخزينة باسترجاع المال الذي سلبتموه من تحت أجنحة الحكم، والذي بنيتُمْ بـهِ القصور، وكنتُمْ من قبلُ من المعدمين...
أنعشوا الخزينة بالملايين التي تغدقون على أعراس أبنائكم وبناتكم، في موازاة المآتم، وبما تهدرون على جمعيات نسائكم، والرقص حول الضرائح.
أنتم... تمثّلون الذين حكموا، والذين نهبوا، وبدل أن يحاكَموا لا يزالون يحكمون.
آلان غرسيا رئيس بيرو السابق، لأنه اتهُّم بالفساد أقدم كريماً على الإنتحار بإطلاق الرصاص على رأسه... وسقراط حين اتهّم بالزندقة إنتحر بتجرّع السمّ: إنَّ التشبُّهَ بالكرام فلاحُ.