يبدو أن الحكومة مصممة على سد العجز في الخزينة من جيبة الشعب اللبناني، وما زالت تبحث عن السبل التي تُمكِّنها من تمرير الإجراءات التي يقتضيها الأمر، وقد تردد غداة الاجتماع الذي عقد أمس، قبل جلسة مجلس الوزراء بين رئيسي الجمهورية والحكومة أنه خصص للبحث عن هذه السبل، لكنه لم يتوصل إلى النتيجة المطلوبة الأمر الذي أدى إلى ترحيل الموازنة إلى جلسة مقبلة لمزيد من الدرس.
وفي هذا الوقت، كان نائبا المعارضة سامي الجميل وبولا يعقوبيان، يقدمان إلى مجلس النواب اقتراح قانون برفع السرية المصرفية عن جميع المسؤولين وجميع العاملين في القطاع العام، لقناعتهما بأن تطبيق هذا القانون على جميع المعنيين من شأنه ان يحل مشكلة عجز الخزينة، وربما يوفّر كل الأموال اللازمة لانعاش الوضع المالي، وصولاً إلى البحبوحة التي يتمناها جميع اللبنانيين من دون المس بقرش الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل.
وهذا الكلام ليس فرضية، ولا هو أوهام، بل هو حقيقة قائمة بذاتها بعدما انكشفت الأمور على حقيقتها، وان الوضع المتردي الذي آلت إليه حالة الخزينة سببه هذه الطغمة التي تستولي على الحكم منذ عشرات السنين وتملأ جيوبها وخزانتها من المال العام، من دون حسيب ولا رقيب إلى ان وصل الأمر إلى ما وصل اليه اليوم، وان رفع السرية المصرفية سيعيد للدولة ما يكفي من المال لسد العجز من دون الحاجة إلى مد اليد إلى جيوب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.. ولو كان هناك فعلاً مسؤولون حريصون على المال العام أو على سد مزاريب الهدر لكانوا جميعاً رحبوا باقتراح النائبين المعارضين ووفروا على أنفسهم عناء البحث عن مصادر أخرى لسد العجز وتجنب حصول الكارثة التي يحذرون هم منها، ولما كانوا الآن في مواجهة مع الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، وإذا كانت هذه الطغمة ترفض هذا الإقتراح لأنه جاء من المعارضة، فلتحزم أمرها، وتنفذ القوانين السارية المفعول والمتعلقة بسد مزاريب الهدر بدءًا بقانون من أين لك هذا، وانتهاء بقانون الاثراء غير المشروع وصولاً إلى رفع السرية المصرفية عن جميع العاملين في القطاع العام، إلا أن مثل هذا الاجراء يبدو مستحيلاً لأنه من المستحيل على هذه الطبقة المتهمة بالهدر وسرقة المالي العام أن تحاسب نفسها، ولذا فـإن الأمر بات يحتم على الشعب اللبناني أن يتحرك بسرعة لاجبار هذه الطغمة ليس فقط على سحب يدها من جيبته بل على مدّ الخزينة بالمال اللازم ومن جيوبها المنتفخة بما يكفي العجز لإنقاذ الدولة من الإفلاس، كما حصل في اليونان، وذلك قبل أن تلعب هذه الطغمة لعبتها وتمرّر الصفقة في مجلس الوزراء، ولكن هل يتحرك هذا الشعب، قبل فوات الأوان، وهو محكوم بألف اعتبار طائفي ومذهبي، الجواب سيكون بـ«لا» لأن التجارب المرة الكثيرة التي مر بها هذا البلد أثبتت أن المواطنة التي تبني وطناً، مرتهنة لأمراء الطوائف.