نعم، إن الشعب الإيراني، وهو جار وقريب ونسيب، تحاصره سكاكين العقوبات الأميركية من الخارج، وفي الداخل تخنقه حبال قيادة أنانية جاهلة عنيدة متكبرة متخلفة ومصرة على الزج به في معارك ليست على مقاسه، ولا قِبَل له بنتائجها وتداعياتها ومتطلباتها وأثمانها الباهظة، حتى وإن ألّبت، بعنادها وغرورها، ثلاثة أرباع الكرة الأرضية عليها لإسقاطها، ولا نستطيع أن نفعل شيئا لمنع المقدر والمكتوب. فالعين بصيرة واليد قصيرة، جدا مع الأسف الشديد.
فرغم أن أياما قليلة تفصل نظام الولي الفقيه عن انطلاق الرصاصة الأخيرة من عقوبات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلا أنه، فيما يبدو، غير عازم على أن يجنب نفسه وشعبه سوء المصير.
ففي عز مأزقه النفطي والسياسي والاقتصادي الخانق يضيف عنادا إلى عناده، وعنجهية إلى عنجهيته، ويرفع منسوب تحدّياته وتهديداته التي لم تأخذ، قبله، واحدا من أنظمةٍ دكتاتورية سابقة كانت أعتى منه وأكثر قوة ومنعة إلا إلى جهنم وبئس المصير.
إن الساعة آتية لا ريب فيها. ولذلك أسباب موضوعية عديدة، منها: أن العقوبات تحولت إلى ورقة شخصية سياسية من أوراق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وربما تكون الأهم والوحيدة، والتي لا يستطيع ولا يملك سوى الذهاب بها إلى نهاية الطريق، مهما حدث، ومهما لم يحدث. خصوصا وأن انتخابات الرئاسة ليست بعيدة، وأن من حوله أسودا ونمورا من الديمقراطيين والجمهوريين، وأصحاب القوة والمال والنفوذ المتربصين به والعازمين على إسقاطه بأي ثمن.
ومنها أيضا أن النظام نفسه، هو الآخر، لم يعد قادرا على التراجع أو المهادنة، لأسباب ودوافع قاهرة حاسمة داخلية وخارجية متشابكة. بمعنى آخر إنه أصبح محكوما بالهرب إلى أمام. فدون شك، ومن المفترض أنه مقدر لحجم قوته وحجم قوة خصمه العنيد، ولكنه مدرك، رغم ذلك، إن كان صادقا مع نفسه، لحقيقة أنه منتحر في الحالتين:
حالة التراجع والتنازل والبدء بتلبية بعض شروط الأميركان ومطالبهم، ليباشر ترامب وحلفاؤه الكبار الأقوياء مسلسل الطلبات والأوامر المتلاحقة التي لا تنتهي، إلى أن يصبح النظام، في النهاية، ورقة شجر يابسة في موسم خريف، وفي مهب الريح.
أو في حالة العناد والمكابرة والتحدي. ويبدو أن بحكم ظروفه والتزاماته الداخلية والخارجية، أصبح لا يملك سوى خيار المكاسرة. (مجبر أخاك لا بطل)، حتى وإن كان مدركا، سلفا، لحقيقة أنه، بكل صواريخه وبوارجه وحرسه الثوري وميليشياته الخارجية، ليس أكثر من حصان خشبي مهزوز.
ومن هذه المقاربة يمكن أن نتفهم دوافع التهديدات الإيرانية الساخنة المبالغ فيها كثيرا، والتي تذكرنا بعنتريات دكتاتور بنما، مانويل نورييغا، الذي ظل أشهرا يلوح بسيفه على شاشات التلفزيون مهددا بقطع رقبة جورج بوش الأب، حتى هبطت عليه، فجأة، صقور من نار وحديد فالتقطته من خلف جدران قصره الحصين وألقت به في غياهب السجون. فالحقيقة التي سجلها لنا تاريخ البشرية الطويل تخبرنا بأن القوي القادر والواثق من قوته وقدرته لا يهدد ولا يثرثر، بل يقرر ويفعل، وربما دون سابق إنذار.
وآخر مبتكرات المرشد الأعلى علي خامنئي في تهديداته التي لم يتوقف عنها، ولو يوما واحدا، ربما من ثلاثين سنة، بهزيمة أميركا ومحو إسرائيل، ما وعد به الإيرانيين، دون غيرهم، أمس، بأن “العداء الأميركي لن یبقى دون جواب”، وبأن “في إمكاننا أن نُصدر نفطنا بمقدار حاجتنا، ومتى أردنا”، ثم تبعه أعوانُه الكبار الآخرون، كان أولهم وآخرهم القائد الجديد للحرس الثوري، حسين سلامي، المشهور بإزالة إسرائيل في سبعة أيام. فقد هدد بتوسيع نفوذ وليه الفقيه من الإقليم إلى العالم، حتى لا تبقى نقطة آمنة للأعداء في كل أرجاء العالم.
وأشاد سلامي، بمناسبة تسلم منصبه الجديد في طهران، بدور قوات فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني، قائلا إنها “أنهت سيطرة الأميركيين في شرق المتوسط”. كما أشاد بتطوير الصواريخ الباليستية وإطلاقها باتجاه أهداف خارج الحدود الإيرانية، خلال العامين الماضيين.
بالمقابل تؤكد الأنباء غير الملفقة وغير المبالغ فيها أن الأوساط الشعبية المتعبة المنهكة، أصلا، بدأت تفقد ما تبقى لها من صبر على الفقر والقهر، وأوشكت على أن تودع آخر أحلامها بقرب زوال الغمة، وأصبحت، أكثر من أي وقت مضى، مقبلة على انتفاضة جديدة قد لا تكون كسابقاتها، هذه المرة، وقد تلقي بإيران، وطنا وشعبا، حاضرا ومستقبلا، في نفق مظلم وطويل.