قبل أسبوع، طمأن رئيس الحكومة سعد الحريري، الموظفين إلى أن إجراءات خفض العجز لن تكون على حسابهم وحساب رواتبهم وحقوقهم. وأمس نقل عنه حاكم مصرف لبنان طمأنة للمصارف إلى أن الزيادات الضريبية لن تشملها، وأنها لن تكون مجبرة على إقراض الدولة بفوائد منخفضة، ما يعني عملياً إعفاء المصارف من المشاركة في تحمّل كلفة خفض عجز الموازنة
لن يناقش مجلس الوزراء اليوم الموازنة العامة. لكن يتوقع ألّا يغيب موضوع الإجراءات المالية المفترضة عن الجلسة التي يضم جدول أعمالها 38 بنداً عادياً. الرئيس ميشال عون موقفه واضح بضرورة نقل النقاش إلى المؤسسات الدستورية، أي إلى مجلس الوزراء. ولكن يدرك رئيس الحكومة أن الأمر لن يكون سهلاً، في حال عدم الاتفاق على الحد الأدنى من الأفكار المطروحة، قبل البدء بعرض المشروع على مجلس الوزراء. وعليه، يتوقع أن يبدأ المجلس بتولي مسؤوليته بدءاً من الأسبوع المقبل، على قاعدة أساسية عنوانها تخفيض العجز من ما يساوي 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 9 في المئة، أي إلى المعدل الذي كان متوقعاً في العام الحالي، والذي طلب مؤتمر سيدر تخفيضه إلى 4 في المئة في غضون خمس سنوات.
خفض العجز بنسبة نقطتين مئويتين لن يكون صعباً، لكن تبقى آلية التخفيض التي صار محسوماً أن زيادة 5000 على البنزين وزيادة الضريبة على القيمة المضافة لن تكونا جزءاً منها. وإضافة إلى ذلك، أسهمت حركة الاعتراض النقابية والحزبية والإعلامية بثني وزارة المالية ورئاسة الحكومة عن السير بحسم شامل على الرواتب بنسبة 15 في المئة. إلا أن الانتقال بالاقتراح من الشمولية إلى حصر الحسم بالرواتب التي تفوق المليونين أو الثلاثة أو الأربعة أو الستة ملايين ليرة، هو اقتراح من شأنه أن يضرب المساواة، إضافة إلى ضربه لحقوق الموظفين الذين وصلت رواتبهم إلى هذه المستويات بعد عشرات السنوات من العمل في القطاع العام.
وعلى الضفة الأخرى، برزت محاولة مصرفية، بقيادة حاكم مصرف لبنان، لتعديل دفة الاعتراض على الإجراءات المتوقعة في الموازنة، والتي يتردد أنها ستطاول بعضاً من أرباح المصارف.
وقالت مصادر مصرفية لـ«الأخبار» إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أبلغ جمعية المصارف، أمس، أن رئيس الحكومة سعد الحريري أكّد له أنْ «لن يكون هناك أي زيادة ضريبية على المصارف في موازنة عام 2019». جاء ذلك في اللقاء الشهري بين حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وبين مجلس إدارة الجمعية.
وردّ سلامة على سؤال رئيس الجمعية جوزف طربيه عن احتمال أن تُجبر المصارف على الاكتتاب سندات خزينة بفائدة منخفضة، بالقول: «إنه أمر غير وارد»، متعهداً بالضغط من أجل إقرار موازنة تقوم على تخفيض الإنفاق، لا رفع الضرائب.
وإذا صح ما نقله سلامة عن الحريري، يكون الحريري قد أعلن موقفين متناقضين، الأول من مجلس النواب، وأشار فيه إلى أن «المصارف عليها مسؤولية ومستعدة لأن تتحمل وتساهم في تخفيض العجز»، والثاني للمصارف مطمئناً إياها إلى أنها مُعفاة من أي مساهمة!
ويأتي موقف سلامة بعد المعلومات المتداولة عن تضمين مشروع الموازنة زيادة على ضريبة ربح الفوائد من 7% إلى 10%. والمعروف أن المصارف بدأت تخضع لهذه الضريبة اعتباراً من عام 2017، بعدما كانت مُعفاة منها منذ إقرارها في عام 2002. وتعترض المصارف على تكليفها بهذه الضريبة بذريعة «الازدواج الضريبي»، إذ باتت تدفع الضريبة على ربح الفوائد التي تحققها، وتحتسبها كنفقات يمكن تنزيلها عند احتساب الضريبة على الأرباح، فيما كانت تحتسبها في السابق كسلفة مسددة من الضريبة على الأرباح.
وكان الحريري قد طرح استثناء المصارف من زيادة الضريبة على ربح الفوائد، إلا أن مصادر وزارية مطلعة أوضحت لـ«الأخبار» أن مشروع الموازنة الذي رفعه وزير المال علي حسن خليل إلى رئاسة مجلس الوزراء لا يتضمن مثل هذا الاستثناء.
والجدير بالإشارة أن قيمة إيرادات الضريبة على ربح الفوائد بلغت نحو 1.1 مليار دولار في عام 2018، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 1.7 مليار دولار في هذا العام، في حال تطبيق زيادة معدّل هذه الضريبة إلى 10% في الأشهر الستة الأخيرة. واللافت أن سلامة كان جازماً برفضه أي مساهمة للمصارف على غرار مساهمتها بعد مؤتمر باريس 2، عندما اكتتبت بنحو 3.7 مليارات دولار في سندات الدين بفائدة صفر. وفي هذا السياق، أوضحت المصادر الوزارية أن مشروع وزير المال لا يتضمن بدوره أي إعادة هيكلة للدَّين العام، إذ ارتفعت خدمة الدَّين العام في عام 2019 إلى أكثر من 5.5 مليارات دولار، أو نحو 35% من مجمل الإنفاق العام، فيما خُفِّضَت بقية أبواب الإنفاق في الموازنة، ولا سيما الإنفاق الاستثماري.
إلى ذلك، ازدادت جبهة الدفاع عن رواتب موظفي القطاع العام، في تثبيت موقفها الرافض للمسّ برواتب صغار الموظفين. وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، في لقاء الأربعاء النيابي، أن «لا استهداف على الإطلاق للفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والفئات المتوسطة، وكل ما يقال أو ينشر في هذا الصدد يندرج في إطار التأويلات». وجدد التأكيد أن «المجلس النيابي خلال مناقشة الموازنة سيتصدى لمثل هذه الطروحات والإجراءات، مع التأكيد مرة أخرى أن هذا الأمر غير مطروح». وشدد على «ضرورة أن يساهم الجميع في إنقاذ البلد من الوضع الاقتصادي الصعب»، مؤكداً أهمية خفض العجز «لتجاوز هذا الوضع المتأزم».