نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريراً لمراسلها ديكلان وولش، تحت عنوان احتج الابن ضدّ الديكتاتور فأطاح الأب به، يتحدّث فيه عن التظاهرات السودانية التي أطاحت هذا الشهر بالرئيس السابق عمر حسن البشير، الذي حكم السودان لمدة 30 عاماً.
ويتحدث الكاتب في تقريره، عن الجنرال صلاح عبد الخالق، الجندي الذي قاتل في حروب السودان الكثيرة، والذي وقف أمام المحتجين، وهو يؤكّد لهم أن لا داعي للخوف من الجيش، "فهذا الجيش هو جيشكم.. لن نقاتلكم"، مطمئناً المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني.
ويكشف التقرير عن أنّ ما لم يعرفه المحتجون الذين تجمعوا حوله، هو أنّ ابنه كان من بينهم، وقال الطيار صلاح عبد الخالق (28 عاماً): "كان علي أن أكون هنا"، ودفعته حالة الإحباط من تراجع السودان في ظلّ البشير للتظاهر أمام مكتب والده.
وقابل وولش الكابتن ووالده في "الفيلا" التي تعيش فيها العائلة في الخرطوم، حيث قال الجنرال موافقاً: "لم أوافق في البداية.. لكن هذا هو التغيير الذي يريده الشباب".
وتعلق الصحيفة قائلة إنّ الانقسام داخل العائلة يعكس التوتر الأوسع في السودان، حيث يدير الجيش والمدنيون مفاوضات شائكة حول مستقبل السودان، ويتنافس كل طرف للسيطرة على هذا البلد الواسع والفقير، واعدا بالتخلص من سنوات الحكم السيئ للبلاد في ظل البشير.
ويشير التقرير إلى أن عبد الخالق كشف لأول مرة أنه وزملاءه من قادة الجيش أطاحوا بالبشير في انقلاب أبيض في الساعات الأولى من فجر الـ 11 من نيسان، وقاموا بالتشويش على هاتفه النقال، وعندما وجد أنهم هزموه صعق البشير وكان غاضبا.
ويقول الكاتب إن الجنرال عبد الخالق الآن هو واحد من أقوى الرجال في السودان، وجزء من مجلس عسكري انتقالي مكون من 10 أفراد، أما البشير فهو في سجن أمني سيئ السمعة في الخرطوم، ويتعرض لتحقيق في غسيل أموال وجرائم مالية أخرى، وصادر المحققون نهاية الأسبوع ما قيمته 112 مليون دولار من مقر إقامته، بحسب قول الجنرال عبد الخالق.
وتجد الصحيفة أن الإطاحة بالبشير ربما كانت الجزء الأسهل من الثورة السودانية، فالأعداد المحتشدة أمام مقرات الجيش ترفض المغادرة حتى يستجيب العسكر لمطالبهم، وأهمها تسليم السلطة للمدنيين، مشيرة إلى أن الاعتصام كان حتى هذا الوقت مليئا بالبهجة وسلميا، وجذب إليه الشباب والمغنين والراقصين والخطباء، الذين شعروا بالراحة لنهاية حكم البشير القمعي.
ويستدرك التقرير بأن المفاوضات بين المجلس العسكري وتجمع المهنيين السودانيين انهارت نهاية الأسبوع، وتجمع في يوم الأحد أكبر حشد من المتظاهرين، الذين حملوا هواتفهم النقالة التي خلقت بحرا من الأضواء الراقصة، وجلس المحتجون على حافة جسر لسكة الحديد وهم يهتفون بصوت واحد، فيما شجب بعضهم رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ووصفوه بـ"القذر".
ويلفت وولش إلى أن البرهان قد دعا يوم الاثنين إلى الابتعاد عن نقاط التفتيش التي تحيط بمنطقة الاعتصام، التي يتم فيها تفتيش المتظاهرين خشية أن يكون بحوزتهم أسلحة، وقال إن الأمن هو مسؤولية الجيش، ورأى المتظاهرون في تصريحات البرهان محاولة منه لإضعاف التظاهر وربما إنهائه.
وتورد الصحيفة نقلاً عن الجنرال عبد الخالق، قوله إنه يدعم حكما مدنيا في النهاية، لكنه حذر من النتائج الخطيرة لو استمر القادة المدنيون في التظاهر للضغط على الجيش لتسليم السلطة مباشرة، وحذر قائلا: "هذه الفكرة تقودنا إلى الحرب الأهلية".
ويلفت التقرير إلى أن البشير عين الجنرال عبد الخالق قائدا لسلاح الجو في شباط، في محاولة لتقوية نظامه المتداعي، مشيراً إلى أن صورة تجمع الرجلين لا تزال معلقة في غرفة المعيشة للجنرال.
ويفيد الكاتب بأنه مع تزايد التظاهرات، ووصول المحتجين إلى القيادة العامة في 6 نيسان، بدأ الجنرال بتغيير موقفه، ويقول إنه بدأ يشعر بالخيبة من حالة الفساد، ولم يستطع السفر لعدة دول عربية وأفريقية وأوروبية بسبب العقوبات الأمريكية، وبعدها فقد السيطرة على قواته.
وتذكر الصحيفة أنه عندما قامت قوات موالية للبشير بإطلاق النار على المتظاهرين، فإن عددا من جنود سلاح الجو تركوا أماكنهم للدفاع عن المتظاهرين، ما أدى إلى مناوشات خارج أبواب القيادة العسكرية، وعندما زادت أعداد المحتجين وصلت رسالة هاتفية للجنرال صلاح من ابنه عبد الخالق، الذي قال له إنه انضم للمتظاهرين.
وينوّه التقرير إلى أنّ عبد الخالق يعرف البشير من خلال علاقته مع والده، ويتذكره رجلا يحب المزاح مع أي شخص، لكن عبد الخالق أصبح قلقا من البؤس والعزلة اللذين أصبحا علامة حكم البشير، فزادت أسعار الطعام، وقلت السيولة النقدية، وفرغت آلات الصرف الآلي، ولم تستطع شركة الطيران الخاصة التي يعمل بها الحصول على قطع الغيار؛ بسبب تصنيف الولايات المتحدة السودان دولة راعية للإرهاب، وفي العام الماضي تقدم بطلب للحصول على البطاقة الخضراء من خلال اللوتري، ويقول: "أعلم أن والدي في الداخل، لكنني سوداني، وعلي أن أكون مع شعبي".
ويقول وولش إن القيادة العليا للجيش التقت في منتصف ليلة 10 نيسان، لمناقشة مصير البشير، واتفقوا بعد ساعة على الإطاحة به، وفي الساعات التي سبقت العملية تحدث عبد الخالق مع ضباطه الصغار حول الأحداث القادمة، وعلق قائلا: "عليك أن تتحدث معهم، ومن الخطورة ألا تخبرهم بما يحدث"، وفي الساعة الخامسة صباحا غير الجيش الحراسة حول بيت البشير، وشوش على هاتفه النقال.
وبحسب الصحيفة، فإن ضابطين ذهبا للحديث مع البشير، الذي كان مرتبكا وغاضبا، و"شعر أن الناس خانوه"، ولام مدير المخابرات صلاح غوش، وعندما خرجت الأخبار بدأت الاحتفالات، وتبنى الجيش لهجة تصالحية مع المتظاهرين، واستجاب لعدد من مطالبهم، وتم نقل البشير إلى سجن كوبر، الذي كان يسجن أعداءه فيه.
ويشير التقرير إلى أن صورا نشرها الجيش، أظهرت كميات كبيرة من المال مرصوصة على طاولة، لافتا إلى أنه تم التحفظ على عدد من مساعدي البشير في بيوتهم، مثل غوش وعلي عثمان طه، الذي هدد بإطلاق مليشيات "ظل" إسلامية ضد المتظاهرين، وقال البرهان إن بعض المعتقلين في سجن كوبر، والبعض الآخر في أماكن أخرى.
ويلاحظ الكاتب أن قادة السودان الجدد يبدو أنهم مرتاحون في القيادة، حيث بدأ البرهان بالعمل من مكتب البشير في القصر الرئاسي على ضفة النيل، وتعهدت السعودية والإمارات يوم السبت بدعم السودان بـ 3 مليارات دولار.
وتورد الصحيفة أن الجنرال عبد الخالق يعتقد أن المطالب بحكم مدني تأتي من "الشيوعيين" داخل المتظاهرين، و"هم أقلية، لكنهم يتحدثون بصوت عال.. هؤلاء يعارضون من هو في السلطة أيا كان".
ويجد التقرير أن حديث الجنرال عبد الخالق عن الديمقراطية له حدود، فقد دافع عن الجيش السوداني ضد انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وجبال النوبة، التي اتهم فيها سلاح الجو السوداني بضرب مواقع المدنيين، ويرفض إرسال البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، قائلا: "نستطيع محاكمتهم هنا"، وتحدث عن المسؤولين السودانيين المتهمين بجرائم حرب، قائلا: "لكنك لا تستطيع تسليمهم للرجل الأبيض ليحاكمهم، الرجال السود سنحاكمهم هنا".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه عندما سئل عبد الخالق عن مشاعره حول البشير، فإنه أجاب قائلاً: "أنا سعيد أنّني لست في مكانه"، وأضاف: "لا أعلم ماذا ستكون مشاعري لو كنت في الشارع، لكنني الآن في القصر".