استبقت السفارة الأميركية في بيروت ما ستحمله الدفعة الجديدة من العقوبات الأميركية على إيران، وبادرت في الأسابيع الأخيرة إلى إلغاء «سمات الدخول» لأشخاص لبنانيين كانوا استحصلوا عليها من القسم القنصلي في السفارة، إضافة إلى أنها امتنعت عن منح آخرين تأشيرات تجيز لهم السفر إلى الولايات المتحدة.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن هذا التدبير أدى إلى إلغاء تأشيرة دخول لمحامٍ لبناني بذريعة أن لديه وكالة من رجل أعمال سوري مشتبه بعلاقته بالنظام السوري، وأيضاً إلى إلغاء تأشيرات لرجال أعمال لبنانيين كانوا يعدّون العدّة للتوجّه إلى سوريا للبحث في تأسيس شركات مختلطة للمشاركة في إعادة إعمارها.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر سياسية أن معظم تأشيرات الدخول التي كانت أُعطيت للبنانيين شُطبت باتصال تلقّاه هؤلاء من القنصلية الأميركية في بيروت، وقالت إن المشمولين بقرار منع السفر إلى الولايات المتحدة وقعوا ضحية من أوحى لهم بأن علاقة النظام السوري بعدد من الدول العربية إلى تحسّن، وبأن هذه الدول ستعيد فتح سفاراتها في دمشق وهي تستعد للمساهمة في إعادة إعمارها. وأكدت المصادر نفسها أن رجال الأعمال هؤلاء أُحبطوا عندما أُحيطوا علماً بأن لا صحة لكل ما أُشيع حول عودة العلاقات السورية - العربية إلى مجراها الطبيعي كمؤشر للبدء بإعمار سوريا بمساهمة عربية بالدرجة الأولى.
ويترقّب الوسط السياسي في لبنان ما ستحمله رزمة العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران بتهمة زعزعة الاستقرار في المنطقة والتدخّل في شؤون عدد من الدول العربية من خلال أذرعها العسكرية والأمنية؛ ومن بينها «حزب الله»، ليكون في وسع العاملين في الشأن السياسي استيعاب انعكاساتها على الوضع الاقتصادي في ظل وجود حلفاء لإيران في الداخل لا يستهان بنفوذهم المباشر على المستويين الرسمي والشعبي، وبالتالي مواكبة ردود الفعل لديهم وما إذا كانت ستقتصر على «حزب الله» الذي أدرجته واشنطن بجناحيه السياسي والعسكري على لائحة الإرهاب، بخلاف معظم دول الاتحاد الأوروبي التي حصرته في العسكري منه.
ومع أن لبنان؛ ممثلاً بحكومته، يصر على أن ينأى بنفسه عن التوترات الأمنية والعسكرية التي ما زالت تخيّم على دول الإقليم المجاورة له، ويسعى للوقوف على الحياد حيال الصراعات الدائرة في المنطقة انسجاماً مع ما تضمّنه البيان الوزاري في هذا الخصوص، فإن العقوبات الأميركية الجديدة ستزيد من وطأة الحصار الاقتصادي المفروض على النظام السوري، خصوصاً في ظل النقص الذي يعانيه في المشتقّات النفطية الذي ظهر أخيراً من خلال تدفّق ألوف السيارات والمركبات السورية إلى المناطق اللبنانية للتزوّد بالوقود.
ولفتت المصادر السياسية إلى أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لعدد من الدول العربية أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وأن من التقاهم تبلغوا منه تحذيرات بإدراج أسماء الشركات التي تراهن على أن تكون لها حصة في إعمار سوريا، على لائحة العقوبات، لأن الأولوية يجب أن تكون لإيجاد حل سياسي ينهي الحرب في سوريا. وسألت عن «رد فعل (حزب الله) على العقوبات الأميركية على إيران، خصوصاً أنها تشمله، إضافة إلى أطراف سياسية تنتمي إلى (محور الممانعة) بقيادة دمشق وطهران وتلقى دعماً مالياً من الأخيرة، لأن ليس لديها مصادر تمويل أخرى، وهل يبادر إلى قلب الطاولة للإمساك بزمام المبادرة على المستويات كافة، أم إن لديه القدرة على التكيُّف بما يتيح له الصمود في وجه هذه العقوبات، خصوصاً أنه أعد منذ فترة ليست بقصيرة خطة يغلب عليها التقشُّف؟».
كما أن السؤال نفسه ينسحب على «التيار الوطني الحر» من زاوية ورقة التفاهم التي توصّل إليها مع «حزب الله» بتوقيع رئيسه ميشال عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، مع حسن نصر الله أمين عام الحزب؛ «فهل يبادر إلى إجراء مقاربة جديدة تتعلق بعلاقاته الداخلية، خصوصاً أن بعض مواقف رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل لا تلقى ارتياحاً لدى واشنطن، وهذا ما أدرجه سفير لبنان لدى الولايات المتحدة غابي عيسى في مذكرته التي رفعها إلى الخارجية، وفيها مضمون المداولات التي جرت بين مسؤولين أميركيين وبين نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني (القوات اللبنانية) وأيضاً وزير الاقتصاد منصور بطيش (التيار الوطني)؟. لذلك لا يمكن استباق رد فعل «حزب الله» على العقوبات الأميركية للتأكد مما إذا كان سيقتصر على تصعيد حملاته ضد واشنطن وحلفائها في المنطقة كما ورد في خطاب نصر الله الأخير، أم إنه سيلجأ إلى ردود فعل من نوع آخر، خصوصاً أن ميزان القوى في الداخل لا يزال لمصلحته، خلافاً لوضعه في الخارج».
وإلى حين انتهاء «حزب الله» من إعداد رؤية متكاملة لمواجهة الحصار الأميركي الذي يشمل أيضاً النظام السوري، فهناك من يقول بأنه «لا مصلحة له في تهديد الاستقرار أو جر البلد إلى الفوضى، وبأن البديل يكون في الضغط على الحكومة للتخفيف من تماديها في استغلال العقوبات وتوظيفها عنصر قوة، رغم أن هذا الرهان يبقى في حدود إصدار الأحكام على النيات من دون أن يكون مقروناً بأدلة».
وعليه، فإن الحاجة إلى الرئيس سعد الحريري تبقى أكثر من ضرورة لأنه يشكل صمام أمان لقطع الطريق على من يحاول إقحام لبنان في صراع المحاور في المنطقة على قاعدة التزامه بتطبيق القوانين سواء بالنسبة إلى مكافحة تبييض الأموال، وبخصوص التصدّي للإرهاب.
وأخيراً، فإن الوسط السياسي يترقّب ما إذا كانت للعقوبات الأميركية مفاعيل سياسية واقتصادية على الوضع الداخلي مع أن الحل والربط في مكان آخر.