رئيس الوفد الإيراني علاءالدين بروجردي لقمة بغداد لبرلمانات دول جوار العراق بدأ زيارته من مدينة النجف حيث انتهت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني في منتصف مارس الماضي، والتي بدأت هي الأخرى بالتوجه إلى مدينة الكاظمية في مراسم تبدو غير تقليدية لوفود رسمية يتوقع منها أن تكون بمنهاج استقبال معد مسبقا، ثم بعدها يمكن إضافة بعض الفقرات إن لم تكن أصلا على جدول التنسيق بين وزارتي الخارجية في البلدين.
بعيدا عن التلميحات وهي متوفرة ولا تغيب عن الحضور في السياسة الإيرانية، يبدو تجاوز دور وزارة الخارجية في العراق في الإعداد للمؤتمر أكثر وضوحا في ظروف استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حال استقدام الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، ثم إعادته بإجراءات تولاها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني. الفارق أن وزارة الخارجية في العراق لم تعترض على ما يسيء لتاريخها الدبلوماسي العريق.
بروجردي الذي شارك في تمثيل بلاده نيابة عن علي لاريجاني خلافا لدول الجوار الأخرى التي ساهمت برؤساء برلماناتها، أشار إلى أن بلاده أكثر بلدان المنطقة تمتعا بالأمن وتحاول نقل التجربة إلى دول الجوار، ومثل هذا المنطق يصدق في جانب منه بما يتعلق بقبضة الأمن والقمع بالداخل الإيراني، وفي رؤية النظام لأجهزته وقدرته على استيعاب الاحتجاجات وانتفاضة الشعوب الإيرانية.
لكن ما لا تستوعبه شعوب المنطقة هو القول بمحاولة إيران نقل تجربة الأمن والاستقرار إلى دول الجوار، بمعنى أن ما جرى ويجري من زاوية رؤية النظام، ومنه بروجردي، مازال في طور المحاولات رغم أن إيران وضعت عددا من العواصم العربية على لائحة المدن الخاضعة لها، ومنها بغداد التي اختارتها عاصمة لمخيلتها الإمبراطورية.
المرشد علي خامنئي يصف المرحلة الحالية، بعد قرار إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، بأنها كما السير على حافة الهاوية ينبغي معها التأني والحذر لمواجهة المخاطر المتوقعة، وهذا التقييم ينطوي على مسؤولية تولاها الحاكم السياسي المطلق وليس فقط المرشد الروحي كما يشاع.
المرشد يفضل المناورة بمزيد من التدابير وخلط الأوراق التي كان أولها إعفاء قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري بعد عقد على خدمته، وتعيين نائبه سردار حسين سلامي بديلا عنه في المنصب، وتم تكليف جعفري بمسؤولية إدارة المجمع الثقافي والاجتماعي للحرس الثوري بناء على رغبة المرشد في أن يكون قائدا للثقافة والحرب الناعمة.
للحرب الناعمة في الحرس الثوري أبعاد أخرى غير المفارقة في خدمة الإرهاب على مستوى الشرق الأوسط أو العالم. والمهم أن التغيير السريع في رأس قيادة الحرس كان يتناسب مع ما اتخذه البرلمان الإيراني من قرار باعتبار الجيش الأميركي منظمة إرهابية بالمقابل، ولما لشخصية قائد الحرس الجديد من سجل متشدد في تنفيذ أوامر المرشد بأداء المهمات الموكلة إليه طيلة تاريخ الأزمات في ولاية الفقيه.
خامنئي في لقاءاته بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصعيد العقوبات ضد إيران، انتقل إلى إدارة الصراع، أولا باعتبار الحرس الثوري جزءا من الجيش أو العكس، أي أن صيغة القرار الأميركي في الداخل الإيراني تستهدف الجيش الوطني رغم الاختلاف البين من الناحية التنظيمية والصلاحيات والواجبات.
يأتي هذا من الإحساس العميق باستهداف النظام وضرورة الاحتماء والوقاية من ردات فعل محتملة لبعض قادة الجيش الإيراني الذين يضمرون للحرس الثوري أسباب العداء نظرا لفوارق الامتيازات والسلطة وانعدام المهنية في تسلسل الترقيات المرتبطة بالتدرج الزمني واحترافية العمل العسكري.
مصطلح القوات المسلحة يضع الجيش والحرس الثوري ضمن مهمات ولاية الفقيه، ويوسع من نطاق متابعة العقوبات، بما يعتقد أنه سيؤدي إلى تشتيت الانتباه عن شخصيات على لائحة الإرهاب أو يغطي على أنشطة الحرس الاقتصادية والاستثمارية وهي شائكة في أسهم متفاوتة لشركات بعناوين تجارية تشمل قطاع المصارف وإنتاج البضائع والمعدات وحتى المطاعم، ومنها ما هو في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة.
حملة توجيهات في إيران لتغيير العناوين والأسماء والصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، ترافقها هواجس مستعجلة لمعالجة آثار القرار الأميركي على أذرع فيلق القدس في دمج الواجبات وإحاطتها بإعلان تبعية ملكيتها لتنظيم الدولة الإيرانية العابرة للحدود، ومن ذلك ما تلقاه الحشد الشعبي من إشادة لدعمه للحرس الثوري في حرب الثماني سنوات ضد العراق، تأكيدا على أن الحشد مجموعة ميليشيات ومنظمات إيرانية مسلحة تخضع لمنطق إرهاب النظام في إدارة المهمات وترويجا لفاعلية المقاتلين وتسليحهم على مساحة الصراع المقبل في المنطقة خارج الحدود الإيرانية.
الخطوة الأولى بتغيير قائد الحرس الثوري هي خطوة تقترب من تجربة طويلة في التغيير الشكلي للقيادات بعد كل خرق أمني في العراق، على الرغم من أن السلطة العراقية كانت تدرك أن الخلل في بنية النظام المبني على المحاصصة وتداعيات الصراع بين القوى السياسية الحاكمة التي أوصلت العراق أيضا إلى سيطرة الملالي، بطريقة أو بأخرى، على مراكز النفوذ في المناصب العليا، أو في الوظائف الأدنى أو في مراكز الاقتصاد، بما يجسر الأموال والمعلومات وملاحقة البيانات وتداولها مع النظام الإيراني.
في هذه الدوامة من السياسات المتخلفة والصراعات ثمة من يسحب العراقيين للوقوف على أطلال الحقيقة الصادمة التي تحيط بهم لرؤية وتأمل عناصر الجذب في علاقتهم بعمقهم العربي وما ينتظرهم من استثمار “الاستقرار والتنمية” كما ورد في شعار قمة بغداد لبرلمانات دول جوار العراق، أو الذهاب إلى ما يشدهم بعنف لواقع من الإرهاب والنزاعات مفروض عليهم منذ سنوات طويلة، حيث تسعى إيران بميليشياتها وأحزابها في هذه المرحلة لعبور حافة الهاوية على حساب دماء أبناء العراق الذين ما عاد بإمكانهم احتمال المزيد من المآسي من أجل محاولات، كما يقول بروجردي، لنقل تجربة الأمن في إيران إلى دول الجوار.