وضع وزير المال علي حسن خليل حداً للسجالات الدائرة بين كبار المسسؤولين حول التأخير الحاصل في احالة مشروع الموازنة العامة إلى مجلس النواب لشروع الهيئة العامة في درسه واقراره بأسرع ما يُمكن حتى لا تضيع الهبات والمساعدات الدولية التي أقرت في اجتماع سيدر وتقع الكارثة، وأحال أمس، مشروع الموازنة بعد إدخال التعديلات التي اتفق عليها في اجتماع بيت الوسط الذي ضم إلى رئيس الحكومة ممثلين عن كل الاحزاب والكتل النيابية المشاركة في الحكومة، وبذلك تصبح الطريق مفتوحة لانعقاد مجلس الوزراء يوم غد الخميس أو في مطلع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير لإقرار الموازنة وإحالتها فوراً إلى المجلس النيابي. لكن الوزير الخليل تكتم على التعديلات التي أدخلها على الموازنة لخفض العجز وفق ما أعلن عنه في مقابلته التلفزيونية مساء الخميس الماضي، وما إذا كانت مسَّت موظفي الدخل المحدود والمتوسط في القطاع العام، أم اقتصر الخفض على المعاشات المرتفعة التي تحدث عنها في ذلك اللقاء.
على أي حال، إن إحالة الموازنة إلى رئاسة مجلس الوزراء نزعت فتيل الخلاف بين المسؤولين والذي استعر إثر التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية من بكركي واستدعى رداً مبطناً من رئيس الحكومة سعد الحريري، اعتبره البعض مؤشراً اضافياً على فك الارتباط القائم بين الرئاستين الأولى والثالثة، وتهديداً مباشراً للمساعي الحثيثة بين المسؤولين لتفادي حصول الكارثة المالية المحققة.
لكن رئيس الجمهورية، سارع إلى تطويق الخلاف مع رئيس الحكومة، بأن نفى أن يكون كلامه في بكركي عن التأخير في إقرار الموازنة من قبل الحكومة كان موجهاً إلى رئيسها، كذلك فعل رئيس الحكومة باتصاله الهاتفي بالرئيس عون غداة عودته إلى بيروت، وبذلك يكون العهد والحكومة قد تجاوزا القطوع، وعادت العلاقات بينهما إلى سكة التوافق التي ما زال رئيس الحكومة يعلق أهمية بالغة على استمرارها بما يُساعد حتماً على تجاوز قطوع التخفيضات المقترحة في الموازنة العامة للحد من العجز من جهة، ولتمرير الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي ومن مؤتمر «سيدر» تحديداً من جهة ثانية في مقابل حصول لبنان على كافة الهبات والمساعدات التي أقرّت له في هذا المؤتمر لإخراجه من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية التي أوصلته إلى حافة الانهيار الكامل.
وإذا كان وزير المالية تكتم على الإجراءات التقشفية التي تضمنتها الموازنة العامة، حرصاً منه على الاستقرار العام، فإن مجرّد إقدامه على إحالة الموازنة إلى رئاسة الحكومة يفهم منه أنه حصل توافق عام بين كل الأطراف السياسية الممثلة في الحكومة على الإجراءات التقشفية التي ادخلت على الموازنة العامة وأن جميع أعضاء الحكومة مستعدون لمواجهة كل الاعتراضات بموقف واحد والضغط على مجلس النواب لاقرارها في أسرع وقت ممكن تبعاً لمقتضيات المصلحة الوطنية العامة وبعيداً عن المزايدات الشعبوية التي كانت السبب الرئيسي الذي أدى إلى هذا التأخير في وضع الموازنة وإحالتها إلى مجلس الوزراء لدرسها وإقرارها وإحالتها بدوره إلى المجلس النيابي لتصبح نافذة بعد أن يقرها كما أحيلت إليه أو بعد إدخال التعديلات اللازمة عليها.
ورغم ان إحالة الموازنة إلى رئاسة مجلس الوزراء تركت ارتياحاً واسعاً، لا يزال البعض يتحدث عن استمرار تفاعل تصريح رئيس الجمهورية من بكركي وتداعياته على صعيد العلاقة بينه وبين رئيس الحكومة في ظل إصرار البعض على ان رئيس الجمهورية لم يعفِ الحريري من ملاحظاته عندما سعى الثاني مسبقاً إلى مقاربة القرارات الصعبة بتوافق سياسي شامل بدأ التحضير له مع القيادات السياسية وممثلي الأحزاب المكونة للحكومة دون أن يأتي بها إلى طاولة مجلس الوزراء، وهو من تعهد بعد نيل الثقة بتقديم الموازنة في أقل من أسبوعين، وهو أمر لم يحصل حتى اليوم رغم مراجعات رئيس الجمهورية المتكررة لتكون على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسته السابقة.