وفي وقت يترقب الوسط السياسي الموقف الذي ستتخذه الحكومة من إجراءات خفض العجز، فبدل الغرق في السجال التقني حول الإجراءات المطلوبة، يفترض التفتيش عن الجذور السياسية للأزمة المالية الإقتصادية.
أن الوضع الإقتصادي تراجع على مدى السنوات الماضية نتيجة سعي تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر للإمساك بالقرار السياسي في البلد وتعطيل انتخابات الرئاسة وتأليف الحكومات، واعتماد لبنان منصة للهجوم على الدول العربية تنفيذاً للأجندة الإيرانية، ما أبعد المستثمرين وتسبب باهتراء الدولة وغياب الرقابة وسيطرة الصفقات التي سبقت وتبعت التسوية على انتخاب الرئيس عون.
فإذا لم تتغير السياسات التي تجنح بالبلد نحو هيمنة بعض الفرقاء على توجهاته السياسية ومقدراته، هناك شكوك كبرى في إمكان نجاح البحث التقني بتحقيق الإصلاح المطلوب خصوصًا أن فريق الحكم يحمل مسؤولية تراجع الاقتصاد لخصومه السياسيين، بدل تعديل سياساته السابقة التي تحمل مخاطر جر لبنان إلى مواجهات إقليمية، وعقوبات لا تنفع معها المعالجات الموقتة. يبدو من الواضح أن الصراع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على الصلاحيات سيستمر حتى اشعار.
إقرأ أيضًا: الإصلاح بإجراءات لا تقترب من الفقراء!
تحول هذا الصراع إلى ما يشبه المسلسلات الهندية، تدور فصوله عند كل محطة أساسية على البلاد أن تعبرها، فبعد الخلاف على صلاحيات كيفية تشكيل الحكومة وتمسك رئيس الجمهورية بسعيه لاتخاذ اجراءات تكبل رئيس الحكومة المكلف في تشكيل حكومته، يتجدد الصراع على الصلاحيات في الملف الإقتصادي والإجتماعي لا سيما فيما يتعلق بالموازنة العامة.
الأسبوع الماضي دعا الرئيس ميشال عون إلى اجتماع إقتصادي مالي للبحث في كيفية انجاز موازنة تقشفية برضى مختلف القوى المختلفة، لكن الحريري رفض المشاركة في هذا الإجتماع، وسافر بعده في زيارة خاصة.
بحسب ما تكشف مصادر متابعة لهذا المسار، فإن حقيقة الموضوع تعود إلى فترة من الزمن تعتريها الخلافات بين عون والحريري حول ملف الموازنة، اذ أن الحريري يذهب بالتوافق مع الوزير جبران باسيل باتجاه فرض ضرائب على الموظفين، بدلاً من فرض ضرائب على المصارف والشركات الكبرى، بينما لدى رئيس الجمهورية توجه آخر اذ يركز على فرض الضرائب على المصارف.
القصة لا تتوقف عند هذا الإختلاف فقط، إنما القضية الأساسية تحولت إلى صلاحيات اتخاذ القرارات الإقتصادية، خصوصاً أنه قبل حوالى شهر ونصف دعا عون إلى اجتماع مالي واقتصادي في بعبدا، جرى خلاله التوافق على اقرار خطة اقتصادية شاملة، عندها اعتبر الحريري أن عون يحاول السطو على كل القرارات وجعلها صلاحيات رئاسية وليست من صلاحيات الحكومة ورئيسها.
إقرأ أيضًا: البلد على شفير الإنهيار
ولذلك رفض الحريري المشاركة في الاجتماع المالي في بعبدا الأسبوع الفائت، وغادر لبنان على غير توافق مع رئيس الجمهورية، موقف الحريري هذا استدعى من عون شن هجوم عليه، اذ توجه إليه من بكركي بالقول إن من لا يعرف كيف يحل الأزمات عليه التوجه إلى بعبدا ليتم إبلاغه بكيفية حلّها، وهذه كانت رسالة مباشرة للحريري. لكن الأهم في كلام عون هو ما قاله حول استعداده لطرح خطة اقتصادية جديدة بعد إقرار الموازنة، هذه الخطة ستكون عبارة عن نهج جديد ينتهجه عون لمحاسبة النهج الاقتصادي السابق والذي يتجلى بالحريرية السياسية، وبذلك يكون رئيس الجمهورية قد نجح في حصر كل الصلاحيات بيده وتكريس استعادة صلاحيات رئاسية بشكل عملي.
هنا تكمن حقيقة الخلاف بين الطرفين، وعلى ما يبدو أن الضغط على الحريري سيستمر لأجل إجباره على تقديم المزيد من التنازلات في ما يخص صلاحياته. الهامش اللبناني يضيق يوماً بعد يوم، والاعتماد على التعقل الاميركي، أو العطف الاوروبي، لم يكن له أساس، ولن يكون له أي مفعول.
أما الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة، التي تناقشها السلطة اللبنانية، الان، فثمة ما يوحي بأنها تأخرت أيضاً، ولن تكون مقنعة لغالبية الشعب اللبناني لأنه من الواضح أن الناس في واد والسلطة في وادٍ اخر.