بَدا للمراقبين أمس أنّ موقف رئيس الجمهورية عالي النبرة في بكركي حول الموازنة قد فَعل فِعله، إذ أُقفل النقاش الجانبي في خفض أرقامها ما أتاح لوزير المال رفعها امس الى الامانة العامة لمجلس الوزراء ليبدأ مشوار مناقشتها حسب الاصول، وإقرارها في المؤسسات الدستورية.
وقد تبين انّ الصيغة الجديدة المعدّلة لمشروع الموازنة والمواد القانونية المقترحة بعد تيويم أرقام المشروع الأساسي المُحال في 30 آب 2018 تضمنت إجراءات تقشفية، في ضوء وضعية المالية العامة والعجز.
الخيارات المحدودة
وقال خليل لـ«الجمهورية»: «أرسلت ٣٣ نسخة من الصيغة المعدلة لمشروع الموازنة بعد المراجعة الشاملة، وأصبحنا أمام بَت الخيارات المحدودة وتحمّل المسؤولية من قبل كل القوى المشكّلة للحكومة، ما يحتّم علينا الذهاب نحو موازنة جدية تعالج مكامن الخلل، وأنا متفائل بالقدرة على الخروج من الأزمة».
الحريري والاصلاح
في هذه الاثناء قال رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في كلمة له خلال افتتاح «المؤتمر المصرفي العربي لعام 2019»: «نأمل في وضع الموازنة خلال الايام المقبلة على طاولة الحكومة، ولديّ الثقة انّ الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري حريصان على ان يكون هناك تقشف ومحاربة للهدر».
واضاف: «ما يهمّني ان يحصل الاصلاح، لا يهم من يأخذ النتيجة، لأنّ لبنان لا يمكن ان يكمل بقوانين قديمة».
لقاء موسّع؟
ونَفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان يكون رئيس الجمهورية قد دعا الى لقاء لرؤساء الكتل النيابية في قصر بعبدا للتشاور في مضمون مشروع الموازنة، والحديث عن قرارات تقشفية صعبة تطاول موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين. لكنّ هذه المصادر أشارت الى احتمال أن يزور الحريري قصر بعبدا في الساعات المقبلة للبحث في آخر التطورات وملف الموازنة خصوصاً.
«اللقاء الديموقراطي»
وفي هذا الاطار، أكد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب بلال عبدالله لـ«الجمهورية» انّ اللقاء يؤيّد إقرار «موازنة تقشفية شرط أن تصحّح مكامن الخلل».
وقال: «نعم نحن مع خفض الإنفاق لكن في المقابل مع تحسين واردات الدولة، فهناك نحو 6 مليارات من الدولارات لا تجبيها الدولة، لذلك عليها ان تحسن الجباية في القطاعات كافة».
ودعا الى «فرض ضرائب مباشرة وليس ضرائب غير مباشرة، أي فرض ضرائب على المداخيل بحسب راتب كل فرد وتكون تصاعدية، فليس عدلاً أن يدفع الفقير الضريبة نفسها مثل الغني».
جدول أعمال بلا موازنة
وفي هذه الأجواء ينعقد مجلس الوزراء الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد في قصر بعبدا، وعلى جدول اعماله 37 بنداً ليس بينها اي إشارة الى مشروع قانون الموازنة، على رغم اعلان وزير المال للمرة الرابعة انه أحال أمس الصيغة الجديدة للمشروع الى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء.
واعتبرت مصادر وزارية انّ عدم إدراج مشروع الموازنة في جدول الاعمال يشكّل «تريّثاً من رئيس الحكومة»، وقالت لـ«الجمهورية»: اذا كان وزير المال قد اختار عدم الانتظار فإنّ رئيس الحكومة ينتظر التوافق التام بين جميع الافرقاء السياسيين قبل ان يطرح الموازنة على الطاولة».
ورأت «ان لا شيء يمنع من اجراء جولة عامة للموازنة غداً الخميس من خارج جدول الاعمال، ومن ثم الاتفاق على البدء بمناقشتها في جلسة استثنائية تتبع بجلسات خاصة للجنة وزارية تشكّلها الحكومة».
زمن التقشف
ولاحظت مصادر وزراية انّ جدول الأعمال تضمن مجموعة من الإتفاقات المشتركة بين لبنان ودول ومؤسسات مختلفة عربية وأممية وأجنبية مالية وتربوية واقتصادية وطبية، ونقل اعتمادات مالية من احتياطي الموازنة على خلفية اعتماد القاعدة الإثني عشرية لعدد من الوزارات والمؤسسات العامة.
وعلى رغم الحديث عن تقليص رواتب الموظفين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين، لوحظ انّ جدول الاعمال تضمن مشاريع مراسيم لرفع الحد الأدنى للأجور وإعطاء زيادة غلاء معيشة للمتعاقدين والأجراء في مؤسسة المحفوظات الوطنية كما جاء في البند 21، ولمصلحة استثمار مرفأ طرابلس في البند 22، وللموظفين في مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك في البند 23.
كذلك تضمن الجدول طلب الموافقة على صرف مبالغ مالية لقاء زيارات وفود لبنانية للمشاركة في مؤتمرات عدة من دون تحديدها ولا تسمية الوفود والوزارات والمؤسسات التابعين لها.
الجميّل يتحدى عون الحريري
الى ذلك، قال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل: «أنا مع تنظيف الادارة قبل إقرار السلسلة، والمشكلة بالوظائف الوهمية. وأنا لا أوافق على الضريبة على المحروقات وزيادة الـTVA».
وأضاف: «أهمية الطعن بقانون الكهرباء أنه لا يعطّل مبدأ التلزيمات إنما يمنع الخروج عن القانون في التلزيمات ويؤمّن حماية مالية».
وتكلم الجميّل بنبرة عالية قائلاً: «أتحدى الحريري وعلي حسن خليل والرئيس عون بوضع لائحة بكل الشركات التي تتعاقد مع الدولة، مع الاشارة إلى ترابطها بالأفرقاء السياسيين لأنّ الفساد بالتلزيم بالتراضي».
وتحدث عن مشروع الموازنة، فقال: «كل شيء يطاول الناس نحن ضده، ويجب خفض عجز الدولة عبر إلغاء التوظيف الوهمي وضبط التهرب الضريبي».
السعودية والحريري
على صعيد آخر تترقب الأوساط السياسية رداً للحريري على منتقدي السياسة السعودية في لبنان، ضمن الكلمة التي سيلقيها قبل ظهر اليوم في ندوة «العمل الانساني بين مساهمات الجهات المانحة ودور الجهات المنفذة»، التي ستنعقد في فندق «فورسيزن» بدعوة من السفير السعودي وليد البخاري الذي ستكون له كلمة في المناسبة، الى جانب كلمة المستشار في الديوان الملكي السعودي المشرف العام على مركز الملك سلمان للاغاثة والأعمال الانسانية الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة الذي يزور لبنان منذ أيام.
وأكد الربيعة، في تصريحات له أمس، أنّ «السعودية لها تاريخ في العمل الانساني»، وقال: «لم يُعرف عنها انها تدخّلت في شؤون الدول ولا خلفيّة سياسية لعملها الانساني».
وأضاف: «السعودية لا تريد للبنان إلّا الخير، ونريد للبنان الامن والاستقرار وأن يعيش شامخاً بعروبته». وأشار الى انّ «السعودية تتعامل مع كل القيادات اللبنانية، والشعب اللبناني هو الذي يختار».
وأضاف الربيعة: «نريد أن نرى الاقتصاد اللبناني يتطور وعلى أبناء لبنان أن يتكاتفوا لبناء لبنان الجديد والواعد». ولفت الى انّ «دول العالم، وفي مقدمها السعودية، ستكون خير من يدعم هذا التوجّه». مؤكداً أنّ «رسالة السعودية واضحة فهي ترغب في ان ترى الاستقرار والامن في دول المنطقة وفي مقدمها لبنان». ولفت الى أنّ «قيمة الاتفاقات التي سنوقعها مع لبنان تبلغ نحو 17 مليون دولار».
لبنان مستعد للترسيم
من جهة ثانية، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال استقباله قائد قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) العاملة في الجنوب الجنرال ستيفانو ديل كول «أنّ لبنان مستعد لتثبيت الحدود البحرية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية الخاصة عبر الآلية التي اعتمدت في ترسيم الخط الأزرق بإشراف الأمم المتحدة».
وقد عرض بري مع كول للأوضاع في الجنوب، لاسيما منها الخروقات الإسرائيلية المستمرة، وتركّز الحديث على الخط الأزرق والحدود البحرية.
وأشار كول إلى إمكانية اعتماد الآلية نفسها في ترسيم الحدود البحرية بما يعزّز ترسيخ الأمن والاستقرار.
وفاة وزير يمني
على صعيد آخر، أكد مسؤول لبناني أنّ وزير الداخلية في حكومة «الإنقاذ الوطني» في صنعاء اللواء عبد الحكيم الماوري توفي في أحد مستشفيات لبنان السبت الماضي.
وأوضح أنّ الماوري كان قد جاء إلى لبنان للعلاج قبل وفاته، من دون مزيد من التفاصيل، وليس معروفاً حتى الآن اسم المستشفى الذي توفي فيه.
وبثّت قناة «المسيرة»، التابعة لجماعة «أنصار الله» الحوثية، السبت نبأ وفاة الماوري عن عمر ناهز 60 عاماً، إثر مرض عضال في أحد مستشفيات لبنان.