وتعزز روسيا وجودها العسكري والاقتصادي لتأكيد أولوية حضورها في سوريا استباقا لأي تسوية أو تفاهمات إقليمية دولية لإنهاء الحرب في هذا البلد.
وقال بوريسوف “إن القضية الرئيسية التي يجب أن تعطي ديناميكية إيجابية هي استخدام ميناء طرطوس. لقد جمعت الزيارة جميع هذه الاتفاقات. لقد تقدمنا بشكل جيد للغاية في هذا الأمر ونأمل أن يتم توقيع العقد خلال أسبوع، ولمدة 49 عاما سوف يبدأ تشغيل ميناء طرطوس أمام العمليات التجارية الروسية”.
ولفت المراقبون إلى أن الأمر يعبّر عن حرب مبطنة بين روسيا وإيران، بحيث تؤكد موسكو لطهران أن القرار السوري هو بيد روسيا مهما تعددت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الإيرانيين والسوريين، لاسيما زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى إيران ولقاءه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
وكانت مصادر روسية مراقبة قد كشفت عن استياء موسكو من الاتفاقات التي أبرمت مع الأسد خلال زيارته لطهران. وذهبت بعض التكهنات إلى الحديث عن أزمة ثقة بين الكرملين والرئيس السوري.
وأوضحت المصادر أن موسكو لم تستسغ الوعد الذي قطعه الأسد للإيرانيين بالسماح لهم بإدارة ميناء اللاذقية، وأنها تعتبر حصول هذا الأمر مسّا مباشرا بمصالح روسيا الأمنية والعسكرية والاستراتيجية.
ومعروف أن قاعدة حميميم الجوية التي تمتلكها روسيا هي قاعدة موسكو الأساسية في سوريا. وتقع القاعدة قرب مدينة اللاذقية، وقد انطلقت منها الطائرات القاذفة الروسية معلنة التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ سبتمبر 2015.
وإلى جانب قاعدة حميميم، أنشأت روسيا قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس، تستوعب سفنا حربية كبيرة. وصادق البرلمان الروسي في عام 2017 على اتفاق لترسيخ وجود روسيا في سوريا، لتمهيد الطريق أمام وجود عسكري دائم في قواعد بحرية وجوية هناك.
وقالت المصادر إن روسيا تعتبر ميناء اللاذقية جزءا من أمنها في سوريا، وأنها لن تسمح بوجود قوى خارجية أخرى، حتى ولو كانت حليفة، على طول الساحل السوري بما في ذلك اللاذقية.
وكانت مصادر رسمية مقربة من مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أكدت وجود مباحثات سورية إيرانية بشأن تسليم إدارة ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط لشركات إيرانية. وقالت المصادر إن الصفقة تأتي كمقايضة مقابل إسقاط ديون سوريا المستحقة لإيران.
وعلى الرغم من التقارب بين دمشق وطهران، والذي ظهرت ملامحه واضحة من خلال الزيارة التي أجراها الأسد إلى طهران في فبراير الماضي، وعلى الرغم من رعاية طهران لاجتماع رؤساء أركان جيوش إيران والعراق وسوريا في دمشق، في مارس الماضي، فإن موسكو تمارس ضغوطا عالية على نظام دمشق.
وكانت مصادر سياسية قد ذكرت أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، الذي زار دمشق إثر اجتماع رؤساء الأركان الثلاثي، حذر من أي تواطؤ مع طهران ضد موسكو، مذكرا بضرورة انسحاب القوات الإيرانية من سوريا.
وتود روسيا من خلال تعزيز حضورها الاستراتيجي في سوريا لتأكيد مكانتها لدى الأطراف الإقليمية والدولية في أي شأن يتعلق بمستقبل سوريا. كما تحرص على تأكيد وضعها كرقم صعب لم يعد بالإمكان تجاوزه في أي سيناريوهات تعدّ لسوريا والمنطقة في المستقبل.
وأثار تفويت النظام السوري في مؤسسات حيوية لفائدة الدول التي ساهمت في تثبيت الأسد بالسلطة موجة غضب بما في ذلك في المناطق الواقعة تحت سيطرته، والتي تعيش وضعا اقتصاديا خانقا.
وأشار الخبير الاقتصادي السوري أسامة القاضي في تصرح لـ”العرب” إلى أن السوريين خسروا سيادتهم على منافذهم البحرية، وأن المرفأ الذي أسسه خالد العظم عام 1950، قد بات اليوم تشغيله بيد الإيرانيين وسيكون عرضة للتدمير إسرائيليا، بمعنى أن السوريين خسروا مرفأ بسعة تخزين تقدر بحوالي 620 ألف حاوية موزعة على 23 رصيفا، وأن أي سفينة من الـ1800 سفينة التي كانت تصل المرفأ عليها أن تحظى بموافقة الانتداب الإيراني أولا، وأن إيرادات المرفأ لن تصل الخزينة السورية في أي وقت قريب والتي وصلت في ظل الفساد وسوء الإدارة عام 2011 إلى حوالي 2.5 مليار ليرة سورية.
وقال إن خبر تأجير مرفأ طرطوس ليس جديدا فقد سبق أن تم تأجيره للروس منذ عام 2017، بمعنى أن السوريين خسروا سيادتهم على مساحة ثلاثة ملايين متر مربع، منها مليون ونصف المليون متر مربع مساحة الأحواض المائية، ومليون وثمانمئة ألف متر مربع مساحة الساحات والأرصفة بما فيها من مخابر لتحليل المواد العابرة. كما خسر السوريون سيادتهم على صوامع الحبوب الموجودة في مرفأ طرطوس والتي تستوعب 100 ألف طن، وصوامع فوسفات بطاقة استيعابية 88 ألف طن.