ما كان الكلام الذي نشرته صحيفة “الراي” الكويتية نقلا عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، والذي يتوقع فيه حربا مع إسرائيل في الصيف المقبل، يستأهل الإضاءة على النحو الذي حصل، في مسعى مبدئي من بعض وسائل الاعلام اللبنانية والعربية، ومواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي للنيل من نصرالله وحزبه. فما نقل عنه ما كان ليخدم سواهما، فيما يعانيان مع راعيهما الاقليمي أزمة لم يسبق لها مثيل منذ أعوام. ما نشر في “الراي”، إضافة الى افتقاده الصدقية، يصب في سياق شد عصب “حزب الله” في الداخل، ويذكر القاعدة المتعبة من تراكم الحروب على أنواعها، من الداخل الى سوريا، فالعالم العربي، وصولا الى الحرب الاقتصادية المالية، وهي الأكثر إيلاما، بأنها مهددة في كل أوان بحرب مدمرة قد تشنها إسرائيل، فضلا عن أن هذا النوع من الدعاية يضعف موقف الداعين الى إيجاد حل سريع لسلاح “حزب الله” غير الشرعي، من خلال طاولة حوار وطني يرئسها رئيس الجمهورية ميشال عون وتطرح فيها مسألة “استراتيجية الدفاع الوطني”. وفي النهاية جاء رد السيد حسن نصرالله في شأن ما نسب اليه، في إطار خطاب هادئ يكاد يكون مهادنا، فهو أكثر من يعرف ان ما ورد في “الراي” الكويتية صب في “طواحينه” الدعائية.
نفي نصرالله لما ورد على لسانه، لا يلغي بالتأكيد احتمالات نشوب حرب في أي وقت، وهو لا يلغي حقيقة أن الحرب بين محور دولي – عربي، ايران وأذرعتها في المنطقة، مشتعلة أكثر من أي وقت مضى، وهي لا تحتاج الى إسماع دويّ المدافع لكي يتيقّن المراقبون من أنها قائمة فعلا بوسائل أخرى. فالحرب بالوسائل الأخرى مالية – اقتصادية، وسياسية، وتخاض على مسرح كبير يتجاوز الساحة اللبنانية. فمن العقوبات الاميركية القاسية على ايران وأذرعتها في المنطقة، في مقدمها “حزب الله” في لبنان، الى التحولات التي أصابت ثلاثة بلدان عربية، اثنتان منهما خرجتا حكما من المحور الذي تقوده ايران والثالثة في طور التغيير من خلال مسرح العمليات العسكرية، الى التضييق الاقتصادي الجدي على نظام بشار الأسد في سوريا لإيصال رسالة مفادها ان لا حل للازمة السورية، ولا إعادة اعمار للبلاد قبل عملية الانتقال السياسي، أي خروج بشار وبطانته من المشهد، ولا ننسى التجاذب حول العراق وعلى الحدود الفاصلة مع سوريا، فيما تحاول إيران إنشاء معبر استراتيجي يربطها بلبنان وسوريا مرورا بالعراق.
ما من شك في أن لدى نصرالله معلومات دقيقة عن الواقع المحبط في سوريا، فسماء سوريا خضعت لتفاهمات روسية – أميركية – إسرائيلية، جعلت السيطرة على الأرض أكثر كلفة وصعوبة. وبقاء آلاف من المقاتلين التابعين لـ”حزب الله” على الأرض في سوريا، يمثل ضغطا كبيرا على بنية الحزب وماليته، وعلى القاعدة الشعبية، فالحزب يبقى بالرغم من كل القوة التي يتمتع بها قوة ميليشيوية محدودة الموارد مقارنة بالقوى التي تناصبها العداء.
في مطلق الأحوال، لا يسع اللبنانيين الذين صاروا بفعل “التسوية الرئاسية” رهائن لدى “حزب الله”، إلا أن يقفوا موقف المتلقّين في مرحلة لا بد أنها ستشهد تحولات كبيرة في المنطقة.