مع عطلة عيد الفصح، توقفت جلسات النقاش المتصلة بمشروع الموازنة العامة بإنتظار الأسبوع الطالع الذي يتوقع أن يشهد المزيد من البحث حول الخيارات المالية التي بات مفروضاً على الدولة أن تأخذها لا سيما مع وصول المؤشرات المالية إلى مستويات غير مسبوقة من الخطورة والدقة.
وبعد أن سلط كلام وزير المال علي حسن خليل الخميس الماضي الضوء على ابواب الهدر الكبيرة في الدولة وبعضها متصل بتعويضات خيالية سواء في بعض الإدارات العامة أو المؤسسة العسكرية التدبير رقم 3 أو سواها من المرافق، بات واضحاً أن البقاء في سياسة الأيدي المكتوفة لم يعد يجدي.
فمع التأكيد على رفض المس بجيوب الفقراء أو صغار الموظفين بعد أن أصبحت سلسلة الرتب والرواتب حقاً مكتسباً لهم، لا بد من سلة إجراءات تسير بالتوازي ليس فقط من زاوية التعويضات المالية الخيالية، ولكن أيضاً في بدلات السفر للوزراء وموظفي الوزارات وقاعات الشرف في المطارات التي تفتح للوزراء لدقائق وتكبد الآلاف من الدولارات، وإيجارات المباني الحكومية والسفارات اللبنانية المنتشرة حول العالم حتى في الدول التي لا جاليات لبنانية فيها وسوى ذلك من الإجراءات التي ستحدث فرقاً لو طبقت.
إقرأ أيضاً: البلد على شفير الإنهيار
من يصدّق أن كل هذه الفضائح تحصل في دولة مديونة كلبنان؟
الوصف الذي يليق فعلاً بما أعلنه وزير المال علي حسن خليل هو الفضيحة التي هزّت وجدان اللبنانيين الذين اكتشفوا بكل بساطة انه طوال سنوات هناك من يتنعم بتعبهم ومقدرات دولتهم على حساب لقمة عيشه وأمانه الاجتماعي.
فكلام خليل نزل كالصاعقة التي كانت كفيلة بدولة غير لبنان بأن تشعل ثورة لو لم تكن الطائفية سيدة الساحات والمواقف كلها.
فمن يصدّق ان في دولة مديونة في لبنان منذ اكثر من عشرين عاما في إدارتها من يتقاضى رواتب وتعويضات واستفادات تصل الى حدود الـ50 مليون ليرة شهرياً؟
فمن يصدّق ان في دولة تهاجر أدمغتها بعد التخرج لأنه لا فرص عمل لها يتقاضى المشرف على امتحانات هؤلاء الرسمية 60 مليون ليرة مقابل إشراف بضعة أيام يعتبر من صلب مهامه؟
من يصدّق أن في دولة يتسابق نوابها على التصريحات الاصلاحية في ساحة النجمة يتقاضى بعضهم راتبين من الدولة، راتبهم من النيابة وراتبهم التقاعدي؟
من يصدّق أن بعض مؤسسات الدولة لا تتبع لرقابتها لا بل فرضت على الناس رسما جديدا بقيمة 50 الف غير قانوني باعتراف الدولة نفسها من خلال وزير المالية في حكومة الى العمل ؟
يتقاضون رواتب تفوق راتب رئيس الجمهورية نفسه.
لِم لا نصدّق بعدما أصبحت كل هذه الفضائح حقيقة موثقة على لسان وزير مالية الدولة؟ وربما لا زال المستور أقبح. وتبقى كارثة الكوراث قضية الكهرباء المزمنة التي تكبد اللبنانيين خسارة توازي نحو 5 ملايين دولار عند كل طلوع شمس والتي عبثاً نحاول التغيير ما لم نبدأ الإصلاح في هذا القطاع. المرحلة صعبة دون شك، المهم توفر الإرادة السياسية للإصلاح لأن السفينة ستغرق بجميع ركابها.